مقاومة اهالي قرية البروة المهجرة، المسنودة بدعم وتضامن جمعية الاقصى ومختلف فئات شعبنا وقواه الوطنية، للمخطط السلطوي الاستيطاني الهمجي الجديد باقامة حظائر للبقر على مقابر القرية المنكوبة الاسلامية والمسيحية، هذه المقاومة جزء عضوي لا يتجزأ من النضال الوطني المصيري لضمان الحق الوطني الفلسطيني في هذا الوطن، الذي نحن اهله الاصليون، ضمان الحق الوطن ومواجهة والعمل على افشال المخطط الصهيوني السياسي المنهجي المبني على الاكذوبة الدعائية الصهيونية، الاستعمارية "ان فلسطين بلاد بلا شعب لشعب بلا بلاد" وذلك لتبرير جريمة حرمان الشعب العربي الفلسطيني من حقه الشرعي والوطني في وطنه والذي تجسد بمآسي النكبة الفلسطينية والتشريد والتطهير العرقي للفلسطينيين في الثمانية والاربعين. وكذلك استغلال هذه المقولة الصهيونية لتدمير الشواهد الحضارية الانسانية والدينية لشعبنا العربي الفلسطيني وتدنيس وطمس ودفن وهدم معالم الاماكن المقدسة لشعبنا من جوامع اسلامية وكنائس مسيحية، اضافة الى نهرب الاوقاف الاسلامية والمسيحية ووضع العصمة في ادارة شؤون الاوقاف الاسلامية بأيدي المؤسسة الصهيونية "الكيرن كييمت ليسرائيل".
ان الهجوم المنهجي في القرى العربية والمدن العربية على المقدسات الاسلامية والمسيحية، هدم مساجد وكنائس وتحويل دور عبادة اسلامية ومسيحية عربية، وخاصة اسلامية الى خمارات واوكار للدعارة وتدمير مقابر وطمس معالم وجودها باكوام من التراب والقمامة وتحويل بعض المساجد والكنائس الى حظائر للابقار وطرش المستوطنين في المستعمرات المقامة على اراضي قرى النكبة الفلسطينية، تهذي الجرائم الهمجية وغيرها لا تقف رذالتها العنصرية عند حدود اللااخلاقية واللانسانية في الاعتداء على مقدسات الديانات الاخرى، بل تتعداها لتقف عند الهدف الاستراتيجي المركزي للصهيونية منذ النكبة وحتى اليوم، وعبر ممارسات حكومات اسرائيل المتعاقبة والحالية، الهدف الاستراتيجي السياسي بمحور وجود وآثار الشعب العربي الفلسطيني ودفن حقوق الوطنية الشرعية، حقه في الدولة والقدس والعودة. ولكن الرياح لا تجري بما تشتهي سفن الاقتلاع الصهيونية، فالشعب العربي الفلسطيني رغم مرور اكثر من ستين سنة على نكبته الكارثية فانه لم يستسلم ويرفع علم الخنوع الابيض، بل يقاوم دفاعا عن حقه الشرعي في الحرية والاستقلال والوطني، ونحن الاقلية الباقية من شعبنا ولم تستطع عواصف النكبة ومجازر الصهيونية اقتلاعها من تراب وطنها، نحن طابو هذا الوطن، نناضل بوسائلنا المتاحة السياسية – الجماهيرية والبرلمانية والقضائية لصيانة حق يواجه انياس وحوش مفترسة وعصابة لصوص مجرمة لا ينجو من جرائمها حتى راحة الموتى والشهداء في مقابر القرى المهجرة ولا من دنسهما اماكن مقدسة وجوامع وكنائس شعبنا.
وقصة البروة مع مغتصبي حقها وحق اهلها في الحياة والبقاء قصة كفاحية طويلة كظهور قرية البروة يعود الى ايام الكنعانيين والرومانيين وقبل ان تطأ ارض فلسطين في العقد الثالث من القرن التاسع عشر بداية الاستيطان اليهودي، الذي تحول الى عملية منظمة مربوطة بانتقال الرأسمالية من مرحلة الاقتصاد الحر الى مرحلة الاحتكار وتحول الصهيونية السياسية كربية للامبريالية وخادمة للمشاريع الاستعمارية في الشرق الاوسط منذ العقد السادس – السابع من القرن التاسع عشر.
تقع البروة في مكان استراتيجي له اهمية كبيرة من ناحية اقتصادية – تجارية وسياحية وعسكرية فالقرية تقع على هضاب تركب على بعد النظر شاطئ البحر المتوسط من مدينة حيفا الى راس النقاورة، وتصلح لأن تكون مصيفا يجذب السياح بجمالها ونقاوة بيئتها وآثارها التاريخية. تبعد ثماني كيلومترا عن مدينة عكا وتقع عند مفترق طرق الشوارع الرئيسية عكا – صفد ومفرق البروة الذي يصل الى شفاعمرو والناصرة وحيفا، وعمليا يربط مختلف قرى الجليل، شمال وشرق فلسطين، القرى بالمدن الساحلية. ومحاذاة البروة لطلعة "الليات" الطريق اللولبية الصعبة على شارع عكا صفد اسهم في شد ازر المقاومة الفلسطينية في المعارك ضد الانتداب البريطاني والصهيونية، فثوار القرى من البروة وجاراتها شعب وميعار ومجد الكروم والبعنة ودير الاسد والرامة والمكر والدامون وكابول وشفاعمرو ويركا وجولس وغيرها قد ابلو بلاء حسنا في مواجهة المستعمرين وعملائهم من المرتزقة والخونة.
اشتهر البروة بخصوبة ارضها الزراعية التي امتدت الى مشارف مدينة عكا، اشتهرت بكروم زيتونها (ملاحظة: المحتل الاسرائيلي انتقم من زيتون البروة وقلع آلاف الاشجار وزرعها على مفارق الطرق بين عكا ونهاريا وغيرها، وعنبها ورمانها وتينها وصبرها ولوزها، كما اشتغل الاهل بالتجارة وبالمهن الحرة وفي "كامبات" الجيش الانجليزي كعمال بأجرة. ولكن اكثر ما اشتهرت به البروة، ويضرب بها المثل حتى يومنا هذا، هو روح الاخوة والتضامن الاجتماعي والاحترام المتبادل بين جميع اهالي القرية وبغض النظر عن هوية الانتماء العائلي والطائفي، فقرية غالبيتها الساحقة من المسلمين البراونة اعطت المثل الساطع عن معنى الوحدة الوطنية والمساواة التامة والاحترام الذي لا تشوبه شائبة في التعامل مع الاخوة من الطائفة المسيحية البروانية. فاحترام خوري البلد لا يقل ان لم يزد عن احترام امام البلد، واصبحت مشهورة كيف ان مسلمي البروة كانوا وراء تعيين خوري البروة الى جانب امام البروة. وحتى يومنا هذا يبرز تضامن اهالي البروة مع بعضهم البعض بالمشاركة في اعراس واتراح بعضهم البعض، النكبة طالت انيابها اهمال البروة فكانت من البلدان المنكوبة اذ هدمها جيش الهجاناة وهجر غالبية اهلها قسرا ليتحولوا الى لاجئين في مخيمات الشتات القسري في لبنان وسوريا والاردن ومصر وفي مختلف بلدان اوروبا وامريكا، ومن تبقى من مهجري البروة لجأوا الى اماكن قريبة من البروة على امل عودة قريبة الى مسقط رأس الآباء والاجداد، وعدد البراونة المهجرين في الوطن بعد الاخوة في صفورية، ويسكنون في جديدة والمكر وكفر ياسيف وابو سنان وترشيحا والبعنة ومجد الكروم وحيفا والبقيعة ودير الاسد وكابول وطمرة وسخنين وعبلين وعرابة.
حب البراونة وتحزبهم لبلدهم جعلهم من اوائل المبادرين الى زيارة التماهي مع البروة كل عام في ذكرى استقلالهم ذكرى نكبتنا، وكان خالد الذكر الشخصية الوطنية خوري البروة، الخوري جبران خوري (ابو سليم) من اول المبادرين لمواصلة العلاقة الوطنية مع تراب وتاريخ البروة، حيث يتجمع البراونة من كل حدب وصوب يوم النكبة على ارض البروة لاداء القسم الوطني بان العودة حق لا عودة عنه.
لقد انتقمت القيادة الصهيونية السياسية والعسكرية وبتواطؤ من قوات الانقاذ العربية من البروة فهدمتها وشردت اهاليها وذلك لسببين حسب رأيي، الاول لموقعها الاستراتيجي الذي الف عقبة في طريق قوات الغزو والاحتلال للتقدم واحتلال قرى الشاغور – مجد الكروم والبعنة ودير الاسد ونحف والرامة وعين الاسد وبيت جن. فتجمع الثوار الفلسطينيين في البروة والمركز عن طلعات الليات قد صعب مهمة القوى العسكرية الصهيونية واوقع بينها الخسائر الكثيرة في العتاد والارواح. والسبب الثاني ان الثوار من ابناء البروة وبمساعدة ثوار من القرى المجاورة قد نجحوا اكثر من مرة في افشال "جيش الهجانا" الصهيوني من احتلال البروة واخرجوه يجر ذيل الهزيمة من البلدة. وفقط بالتآمر على جيش الانقاذ ونفاذ الذخيرة من الثوار لم تسلم البروة واخراج اهلها بحيلة ثعلبية مبنية مع وعد بالعودة بعد عدة ايام. ومرت اكثر من ستين سنة ولم يتحقق حق العودة بعد.
ان طرح قضية اقامة حظائر للابقار من قبل مستوطني "احيهود" – اسم المستوطنة القائمة على ارض البروة – طرح هذه القطبة امام المحكمة العليا يوم الاثنين الماضي من قبل لجنة مهجري قرية البروة وجمعية الاقصى، طرح هذه القضية ليست الاولى من نوعها. ففي العام 1998 حاولت ادارة موشاف احيهود بالتنسيق مع مؤسسة الكيرن كييمت (ادارة اراضي اسرائيل) شق طريق من قلب احدى مقابل البروة – مقبرة سعد درويش – التي يرقد فيها جثامين عدد من شهداء البروة ومجد الكروم الثوار ضد المستعمرين البريطانيين والصهيونيين. وتناثرت العظام في كل مكان. اقمنا الدنيا في حينه ولم تقعدها، احتجاجات جماهيرية وبرلمانية وقضائية، وقد اثمر هذا النضال بأخذ قرار بتسييج هذه المقبرة بالاسلاك، وتبرع المرحوم ابن البروة فهد سكس بالاسلاك. ولم يكن الاعتداء عل هذه المقبرة اول جريمة مخططة سلطويا، فقبلها بني اسطبل للبقر على ارض جامع البروة المهدوم، وجرى تدمير آثار وطمس معالم كنيسة القرية التي هدم طرش المستوطنين لبعض جدرانها التي بقيت بعد هدمها ابان النكبة، كما طمست معالم المقبرة المسيحية.
ما اود تأكيده ان الهجمة الجديدة لاقامة حظائر للبقر على مقابر البروة الاسلامية والمسيحية، توقيت هذه الهجمة ليس وليد صدفة، بل يرتبط ارتباطا عضويا بالمحادثات السياسية الاسرائيلية – الفلسطينية حول الحل الثابت او التسوية الدائمة والتي من قضاياها وثوابتها الجوهرية الاساسية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فمنذ بدء هذه المحادثات وعشيتها قبل اكثر من سنتين، عندما حاولت حكومة اسرائيل املاء شرط على الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية يعترفون بموجبه يهودية الدولة الاسرائيلية، التي مدلولها السياسي اسقاط حق العودة للفلسطينيين الذي تقره الشرعية الدولية. فمنذ ذلك التاريخ بدأت الاوساط الحكومية الاسرائيلية واخطبوط اذرعها من المؤسسات الصهيونية في تصعيد الهجمة المنهجية لرسم وقائع صهيونية جديدة في القرى المهجرة والقرى العربية غير المعترف بها، فمن الظواهر الجديدة لهذه الهجمة "التوسع الاستيطاني الواقعي"، أي تدمير معالم وآثار القرى العربية المنكوبة من خلال اقامة احياء سكنية ونوادي وحظائر بقر مكان بيوت وخرائب القرى المنكوبة، هذا ما يجري في سحماتا المهجرة، وفي البروة، وفي صفد وفي غيرها.
في البروة لم يصدر قرار المحكمة العليا حتى كتابة هذه السطور بخصوص تدنيس همج المستوطنين لاحدى مقابر البروة، ولسنا متفائلين من عدالة المحكمة العليا، ولكن ما نود تأكيده اننا لن نحني هامتنا الكفاحية، وسنواصل معركتنا بأوسع وحدة صف وطنية وبتجنيد قوى دمقراطية يهودية والرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الانسان وهيئات الشرعية الدولية، حفاا على حقوقنا ودفاعا عن حقنا الشرعي والوطني والانساني في صيانة شواهد ومعالم شعبنا الحضارية الثقافية والوطنية والدينية من همج اعداء الانسانية. فدولة ونظام يقهر ويضطهد اقلية قومية ويعتدي على شواهدها الوطنية ومقدساتها الدينية لا يمكن ان تكون دولة ونظاما دمقراطيا، بل دولة ونظام شريعة الغاب.
د. احمد سعد
السبت 9/8/2008