علم يرفرف.. قلوب خفاقة.. نظرات مشدوهة إلى شرق تنبثق منه الشمس وتمتد به مساحات الوطن، خيام تذكرنا بنكبة اللاجئين والنازحين من بعدهم، صور شهداء وأسرى حرية متناثرة على الجدران، وأسماء قرى مدمرة هجر سكانها تزين تلك الخيام.
شوق.. حنين.. شعارات.. وحناجر أطفال تنشد حماة الديار عليكم سلام، مرشدون.. متطوعون من رواد العمل الوطني.. إدارة مخيم حملت على عاتقها نقل الرسالة والثقافة والتربية الوطنية لأطفال لا يعرفون من الوطن غير إسمه في زمن غابت به برامج الوطن وتواصله.
ساحة صغيرة المساحة لكنها تمتد معنوياً عبر مساحة الوطن.. قلوب ناصعة تختزل في ثناياها أكبر وأسمى آيات الحب والانتماء.. نظرات بريئة وابتسامات لهفة لما يتعلمونه ويسمعونه عن الوطن.. هذه هي مساحة العز والكرامة.. المدرسة الميدانية التي تجمع بين أمل العودة والتحرر ونغصة الاحتلال الجاثم على الصدور.
أطفال من رحاب ثرى الجولان.. يعيشون التعارف والمحبة.. طلاب جامعات ومدارس وعمال مؤمنون بقضيتهم وحب وطنهم.. تفرغوا لعشرة أيام ونيف للعمل التطوعي.. فلذة العطاء عندهم تفوق لذة الأخذ وكسب المال..
شباب نذروا أنفسهم لمهمة وطنية مهما كانت النتائج والمضايقات من قبل المحتل.. أهالي يتعاطون مع العمل ولا تثنيهم إمكانياتهم المحدودة عن العطاء والدعم المادي والمعنوي.. كيف لا وقد اختلطت المشاعر فأصبح كل طفل في هذا المخيم ابن الجميع وإبن المجتمع البار ومستقبله الزاهر.
على بعد عشرات الأمتار فعالية ثقافية تحت عنوان "من فلسطين إلى الجولان" رقصات ودبكة على أنغام موسيقى وأغان وطنية.. تنطلق الحماسة عبرها وتتلاقى جفرا مع الضباب وتعلو الأصوات خارقة عنان السماء فتحضر بيروت والقدس وقاسيون وبردى ويتعانق العلمان السوري والفلسطيني مرفرفان ويدغدغان المشاعر الملتهبة فتبح الحناجر بالهتاف وتلتهب الأكف بالتصفيق.. ويتحول الجولان لعاصمة الثقافة الوطنية.
وفي خضم هذا الحدث العظيم يلاحظ المراقب والمهتم بأنه حضر العلم وحضر الأطفال وتجمع الأهالي وحضرت الوفود من فلسطين الحزينة والضفة الجريحة النازفة.. حضر التحدي والشجاعة ولم يحضر إعلام الوطن (وسائل الإعلام) ولو بخبر في صحيفة أو فضائية أو تلفاز!! ما السبب؟ هل أصبحت فعالياتنا الوطنية المعبرة عن الانتماء وحب الوطن غائبة عن وطن يعيش بقلوبنا ونعمل لأجله؟ هل أصبح إعلام الوطن حكر لشخص أو لفئة لا تجيد سوى الشعارات البراقة وغائبة عن أرض الواقع ومصلحة المجتمع؟ ألا يستحق الجولان إسماع صوته عبر شاشات وإعلام الوطن بعد أن كتم الاحتلال هذا الصوت؟ ألا يستحق أبناء الوطن الحر التعرف على نضال إخوانهم في الجزء المحتل ومقارعة الاحتلال لشد أزرهم ورفع معنوياتهم؟؟ ألم يعتبر هذا الحدث السنوي ظاهرة وطنية كعيد الجلاء أو ذكرى الإضراب؟ أليس من الحق أن ينصف الجولان وسكانه بأخذ زاوية من إعلام الوطن والتعامل بنزاهة مع جميع الفعاليات وليس عبر مزاجية شخص فيطمس حق الأكثرية من المناضلين ورواد العمل الوطني؟؟
ولكننا سوف نستمر في طريق النضال.. طريق الأجداد وإرثهم الوطني.. ننقله إلى الأبناء والأحفاد.. ستقرع أجراس الكفاح.. ستصرخ ملء الفضاء علها تسمع الآذان الصماء النداء.. علها تستيقظ الضمائر النزيهة وربما تنصفنا بعد حين أجيال المستقبل.
سيبقى أطفالنا ينشدون حماة الديار عليكم سلام ونشيد المخيم:
فديت بمهجتي وطناً أبيا درجت على مرابعه صبيا
سيبقى ما بقيت حما عصيا على سهم الغزاة وعبقريا
ورايتك المجيدة في الأعالي سننسجها بأفئدة الرجال
غداً بالعلم لا بالترهات وبالأعمال لا بالأمنيات
سنصنع يا بلادي المعجزات ونملأ مظلم الآفاق ضيا
بيسراي الكتاب وفي يميني سلاحي والأصالة في جبيني
وبين الحلم والعلم اليقين رصاصات عشقت لها دويا
فلسطين للاجئها مآب ولو غمست بأحمرها الحراب
وجولان الكرامة والهضاب لمنبعها ورافدها سوريا
لمنبعها ورافدها سوريا
سميح أيوب
الأربعاء 6/8/2008