هأنذا، أقف بحزنٍ على بابك يا جولان، أنا وشجرة زيتون صغيرة زرعتها في عينيّ أو زرعتني هي في ساقها، قادمان نحن إليك يا جولان؛ لنصنع من تركيب التفاحة على الزيتونة معجزةً وطنيةً وشعريةً وإنسانيةً، يُقال في عالـم الزراعة: إنه من الـمستحيل، علـمياً، تركيب الزيتونة على التفاحة. لكن من قال إن العلـم يفهم لغات القلب والوجدان والروح؟ على العلـم أن يتنحى جانباً أمام شؤون القلب ونداءات الروح؛ لأنني سبق وأن ركّبت غصن زيتونة فلسطينية على ساق نخلة عراقية، وتشهد على ذلك الشاعرة العراقية الـمغتربة بلقيس حسن، ممنوعان من الدخول إليك، نقف يا جولان الآن: الزيتونة وأنا، على بابك بأمرٍ من رعبهم؛ من حبنا ونصّنا وتاريخنا ولغتنا، ومن سمائنا الواحدة التي شقوها إلى نصفين، هل تشق السماء إلى نصفين؟؟!! كيف؟ يبدو ذلك مستحيلاً إلاّ إذا آمنا بأنه بالإمكان نشر البحر بالـمنشار. أو قص الهواء بمقص.
يا جولان: أيتها البهية، طيبة القلب، كريمة الروح، لـماذا يمنعوننا من دخولك؟ لـماذا يخيفهم أن نلتقي؟ ألهذا الحد يبدو رقصنا وشعرنا ورسمنا وأغنياتنا في عينيك إشارة متماسكةً وعلامةً عميقةً على قدرة الفنون على إرباك الغطرسة الاحتلالية وإقلاق نومها الأسود؟ يا جولان، أيتها العربية حتى الحزن، النظيفة حتى السماء، الجميلة حتى الجراح، أحضرت لك معي رسائل من تلاميذي، وأناشيد من أطفالي، وأغنيات من أطفال رام الله، أين سأذهب الآن بكل هذه الحمولات يا جولان؟ هل أطيّرها إليك مع ريح الجليل، شقيقك الحبيب؟ لو حطت أغنية حنين طريّة على كتفك هذا الـمساء يا جولان؛ فاعرفي أنها من طفلة في رام الله، اسمها لين القطاوي.
كنت في مكتبة مؤسسة القطان أكتب رسائل إلى حسين البرغوثي حين اقتربت مني الطفلة لين، ابنة السنوات الثماني، وطلبت مني أن تلعب على الجهاز، كانت غاضبةً ومشوشةً بصمت؛ لأن الاحتلال منعها من زيارة الجولان مع أمها سالي، الـموظفة في الـمكتبة، تنازلت عن الجهاز وخرجت إلى جهاز آخر في مؤسسة أخرى فقط لعيون هذه الأغنية الفلسطينية الحزينة الـممنوعة من السفر، وقبل أن أخرج دار بيننا هذا الحوار:
ــ ليش ما رحتي على الجولان عمو؟
ــ عشان هم منعوني.
ــ مين هم؟
ــ الاحتلال؟
ــ طب ليش منعوك؟
ــ لأنهم احتلال
ــ وأنا منعوني لأنهم احتلال ؟
ــ طبعاً.
ــ طب الاحتلال ليش بحب يمنع الناس من الحركة؟
ــ لأنه بس احتلال.
ــ يعني هو لو مش احتلال ما بمنع؟
ــ طبعاً طبعاً يا لين.
ــ لـما إحنا نحتل احتلالهم راح نمنعهم من الحركة، صح ؟
ــ صح، بس راح نسمح لأطفالهم وشيوخهم؛ لأنه حرام.
ــ صح؛ لأنه كمان إحنا أحسن منهم.
ــ صح صح.
سأعود أدراجي، الآن، إلى أرض الحب والشعر والندى، مع زيتونتي الـمتفاجئة، الصامتة، سنلتقي في زمن آخر، همست روح الزيتونة لروح شجرة التفاح، سنلتقي في زمن آخر، ردت التفاحة من بعيد: في الزمن الآخر لن يكون هناك لقاء؛ لأننا سنكون جسداً واحداً، سماءً واحدةً، هواءً واحداً، لن نحتاج إلى كلـمة لقاء، اللقاء يعني وجود الانفصال، وحضور الـمسافات، هل نستطيع أن نقول: التقت السماء بالسماء؟ بالطبع لا؛ لأنها واحدة غير قابلة للقسمة، وهكذا سيكون في قادم الأيام: أرض واحدة، بسماء عالية وإنسان عربي حضاري، علـماني، متفتح، نقاشي الذهن، حواري العقل، يرى في ثقافة الأسئلة وغياب اليقينيات والـمطلقات علامةً أكيدةً على مستقبل أزرق.
لأنك أنت العلامة والبرهان والبوصلة يا جولان؛ لأنك أنت الامتحان والـممتحِن، والشاهد والشهيد، فنحن الفلسطينيين أبناء الجرح الكبير الأول دائماً بانتظارك، لنشهد معاً على أردأ أزمان العرب وأقربها إلى الـمسخرة أو الكوميديا.
يا جولان،،، أيها الأصدقاء: يا سميح وليلى وسلـمى وبلال وأيمن ومعتز وهند ورهام وداود ونبال وأحمد وآمال وعماد وسمير وسليم واملي وصادق ومضاء، وسلـمان، ووسيم، وفاطمة.
يا كل الجولان، يا شهداءه: هايل وعزت ونزيه وغالية ... يا أبطاله الأسرى: بشر وصدقي وهشام وعاصم ... لن أقدر على التلفظ بغير كلـمة واحدة، مجروحة الحواف، ضخمة الصدى: أحبكم.
زياد خداش
الأربعاء 6/8/2008