الرقابـة التلفزيونيـة فـي سـوريـا: "شـر البلية مـا يضحـك"
* مبدعـون يشكـون غيـاب "لائحـة" الممنوعـات ورقيـب فضَّل عـدم ذكـر اسمـه *ماهر منصور-دمشق : »شر البلية ما يضحك« هو حال الجدل الدائر حول الرقابة التلفزيونية في سوريا، حيث بدا كل من المتخاصمين، الرقيب والمُراقب، وقد فقد كلٌ منهما الأمل بإقناع الآخر بوجهة نظره. هكذا تحدث كل منهما من باب »اللهم أشهد أني بلغت«، وآثر بعضهم عدم ذكر الأسماء لكي لا يدخل في »أخذ وعطا«، باعتبار أنه »ما في أمل من الحكي«. بحسب معايير عمله يرى رقيب... فضل عدم ذكر اسمه، أنه يفترض بالمبدعين أن يكونوا راضين عن وضعهم، كونه »ما من نص أو وثيقة أو حتى أوامر إدارية لما هو مسموح أو ممنوع في عمل الرقابة«! يؤكد الرجل أن »الرقابة حاجة اجتماعية للتوازن بين الفن كرؤية إبداعية والفن كرسالة تلفزيونية«، مشدداً على قناعته بأن »الإبداع ليست له حدود وشروط، وله الحرية في أن يقدم كل شيء، لكنه هو، أي الرقيب، قد يجبر على التدخّل لحظة شعوره بأن هذه الحرية الإبداعية تتضارب مع حرية الآخرين«! أما كيف؟ فيجيب: »من حيث الأعراف، التقاليد، القوانين، المناخ السياسي والواقع الاجتماعي«. المبدعون يروون أن الرقيب التلفزيوني تمادى كثيراً في مفهومه لما هو مسموح أو ممنوع في ظل غياب قائمة محددة الملامح للممنوعات. ففي شهر رمضان الماضي تعرّضت كثير من الأعمال الدرامية لحذف مشاهد منها، كان من الممكن أن تمر سابقاً. لكن ما حدث مع مسلسل »راكورات« مثلاً، كشف تناقض »الرؤى« واختلاف »المفاهيم« بين رقيب وآخر، ما أظهر كم هي مطاطة معايير السماح أو المنع عند الرقيب التلفزيوني. فقد حصل المسلسل على الموافقة الرسمية على كامل النص من قبل لجنة القراءة، ولكن العمل رُفض رقابياً لاحقاً من قبل لجنة المشاهدة، وطُلب من أصحابه إجراء تعديلات محددة! وعند تظلّم أصحابه، عُينت لجنة مشاهدة ثانية خرجت بتوصيات لإجراء تعديلات لم تطلبها اللجنة الأولى!! ومع الاعتراض الثاني لصانعي المسلسل، قامت منسّقة اللجنة باستدعاء عدد من أعضاء لجان الرقابة، وطلب هؤلاء تعديلات إضافية على ما طلبته اللجنتان السابقتان! وبعد تنفيذ كل ذلك تعرّض العمل لحذف رقابي إضافي عند عرضه!! الحكاية ذاتها تكررت مع المخرج محمد شيخ نجيب الذي منع مسلسله »ممرات ضيقة« من العرض خلال رمضان الفائت. وكانت الرقابة قد طلبت من المخرج الشيخ نجيب إجراء تعديلات على النص، وهنا، يقول الشيخ نجيب: »عدّلنا النص بناء على رغبتهم، وبعد قراءته أقرّوه، ولكن لجنة المشاهدة منعته«. وقياساً بما حدث يرى المخرج شيخ نجيب: »أن غياب قائمة مكتوبة بالمسموح والممنوع، في هذه الحالة، هو أمر سلبي«. ويرى الكاتب الزميل إياد شربجي (كاتب مسلسل »ريكورات«): أن الأمر هنا »متروك لمزاجية اللجنة، وكلما علّق أحد من أعضاء اللجنة على مشهد ما نتورط بتعديله، إذ لا توجد معايير ولا ضوابط«. إلا أن كلام الزميل شربجي على هذا النحو لا يعني حسب قوله »وجود قائمة للممنوع والمسموح، فالممنوع معروف بالنسبة لنا، ولا أعتقد أن أحداً يورّط نفسه في مشاكل يعرفها مسبقاً، أو يضع عمله في مواجهة الرقيب. فنحن نعمل ليعرض عملنا لا ليمنع«، ويضيف الزميل إياد: »ما نحتاجه حقاً، كمبدعين، هو الثقة بعملنا«. في المقابل، لا ينكر الرقيب وجود المشكلات السابقة في نتائج لجان الرقابة: »أحيانا نقع في مطب المبالغة في قضايا قد تمر... قرارات اللجنة لا تعني موافقة كامل أعضائها عليها، فالبعض يكون لهم تحفظات«. ولذلك »لم يكتف التلفزيون بلجنة رقابية واحدة، بل شكّل لجانا عدة، تضم كل واحدة منها خمسة أعضاء على الأقل من اختصاصات مختلفة، منها كتّاب وفنانون، بأكثر من وجهة نظر كي لا يُظلم أي عمل«. الحلقة، رغم كل ما قيل، ستبقى مفرغة بين ما يريده الرقيب وما يقدمه المبدع، فـ»غياب القائمة أو حضورها ليسا المشكلة«، كما يرى الرقيب الذي يعتبر ان »الجمهور أقوى من الجميع، والمجتمع هو أول من يطالب بالرقيب لا الحكومات«. وبهذا المعنى يكون الرقيب »الخلية الأولى التي تمثل بشكل أو بآخر المتلقي«، حسب ما يرى الرقيب نفسه. في هذا السياق، الذي يضع الجمهور في وجه المبدع، يتساءل كاتب وسيناريست فضّل عدم ذكر اسمه (ربما لكثرة ما واجه الرقيب من دون أن يفضي ذلك إلى نتيجة): »لماذا لا يضعون على »تترات« المسلسل المعروض عبارة أن هذا العمل لا يعبّر عن رأيهم، وإنما يعبر عن وجهة نظر صانعيه«. يلفت الرقيب إلى أن في دوره »عون للمبدع، لكن بالنتيجة تقع الرقابة بين نارين: نار المتلقي ونار المبدع«، ويؤكد أن »من حق المبدع أن لا يحد إبداعه شيء، ولكن من منا يستطيع أن يتمتع بالحرية كاملة إلا روبنسون كروزو في جزيرته..؟«. الصورة: اثناء تصوير "ممرات ضيقة"الأثنين 4/8/2008 |