لا تستطيع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ان تبقى صامته على ما يجري من صراع بين طرفي المعادلة الفلسطينية, بين فتح وحماس, لان نتائج هذا الصراع المدمر الانتحاري لا يقتصر على الطرفين, بل يتعداه لينال من مكانة القضية الفلسطينية ونبلها, ومس الفلسطينيين برمتهم. ولم يعد من احد غير متأذ من هذا الجموح والتفرد والسيطرة وقتل الذات وقتل الآخر في نفس الوقت.
ولا تملك الجبهة الشعبية ان تبقى وحدها في ساحة المواجهة ضد الطرفين المتقاتلين المتخاصمين المتناحرين بمعزل عن خيار تشكيل الطرف الثالث, اليساري التقدمي الممسك بالشرعية والثوابت, جنباً الى جنب مع الجبهة الديمقراطية بتراثها ودورها, ومع حزب الشعب باتزانه وعقلانيته وعلاقاته الدولية مع الحركة الشيوعية, ومع قطاع واسع من المستقلين وعدد اخر من الفصائل كحركة فدا وحركة المبادرة والفصائل الوطنية القومية, الذين يمكن ان يفرضوا حضورهم كضمير رادع واداة توازن ورجحان كفة واشعال ضوء امل في ظل الانحسار والفشل وتوسع مشاريع الاحتلال وسرطان الاستيطان الاستعماري.
لا تستطيع الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب, ان يتهربوا من مسؤولياتهم وعليهم أن يواجهوا الحقيقة المرة الماثلة امامهم وتضحياتهم تستنزف وقضيتهم تتآكل ومشروعهم الوطني يتلاشى امام ثلاثة مصائب: الاحتلال والانقلاب والتناحر.
احمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كتب من زنزانته في الايام الفلسطينية يوم 29 تموز مقالاً حمل عنوان "الوضع الفلسطيني الراهن والمهام الملحة"، يقول "ان الشعب الفلسطيني الذي صمد امام كل اشكال العدوان والحصار والاعتقال والتجويع لم يعد قادراً على تحمل ما تفرزه ازمة الصراع الداخلي التي تجاوزت وانتهكت كل المحرمات والمقدسات التي كانت بالامس خطاً احمر وهي اليوم تشعر بالعار والخجل وهي تودع اليوم ضحايا الاقتتال الداخلي.. وما دام لدنيا الاستعداد للتفاوض مع اسرائيل وابرام اتفاقات التهدئة معها" كما حصل في اتفاق 19 حزيران عبر الوسيط المصري بين حماس واسرائيل "فالاجدر ان يسبق ذلك تهدئة داخلية بوقف التحريض المتبادل ووقف الانتهاكات للحريات والافراج عن المعتقلين لدى الجانبين والشروع بحوار وطني جدي لتجاوز حالة الانقسام المدمرة التي باتت تهدد مستقبل الشعب الفلسطيني برمته, ولعل في التوافق الذي حمله اعلان القاهرة في اذار 2005 ووثيقة الوفاق الوطني في حزيران 2006 التي يمكن البناء عليها بما تضمنته من تحاور ايجابي يمكن الارتقاء به وتطويره لتوسيع مساحة القواسم المشتركة في اطار مجلس وطني منتخب يمثل كل اطياف الشعب السياسية والاجتماعية, اضافة الى العديد من المبادرات التي قدمتها فصائل العمل الوطني والاسلامي مروراً بالمبادرة اليمنية, كل ذلك يوفر المعطيات الضرورية لتحقيق الوحدة اذا توفرت الارادة الحقيقية لدى طرفي الصراع (لدى فتح وحماس)".
واصدر تيسير قبعة نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني بياناً يوم 17/7/2008 حمل عنوان "كفى.. ايها الرئيسان" خاطب فيه محمود عباس وخالد مشعل بقوله "حقاً, لقد بلغ السيل الزبى, وبلغت القلوب الحناجر" وقال "من موقعي الوطني والتاريخي في هذه الثورة وهذه القضية العادلة ادعوكما بكل ما لديكما من حرص على هذا الشعب ورغبة اكيدة في الحفاظ على مكتسباته الوطنية, التعالي عن الجراح ونبذ الخلافات جانباً والجلوس بشكل مشترك بعقول وقلوب مفتوحة ومن دون اية شروط مسبقة للبدء في حوار وطني شامل ليس له إلا نهاية واحدة وحتمية, وهي إرساء وتدعيم اسس الوحدة الوطنية وإيجاد الحلول الكفيلة بانهاء حالة الانقسام العمودي التي تترسخ يوماً بعد يوم إن لم يتم تداركها ووضع حد لها". ويختتم تيسير قبعة نداءه بالتوجه نحو "الاخ الرئيس ابو مازن, الاخ الرئيس ابو الوليد, لنكبر على الصغائر ولنعض على الجراح ولنرتقِ بأدائنا جميعاً لمستوى عظمة الشعب الفلسطيني وتضحياته التاريخية الكبرى, وبذلك نكون قد خطونا الخطوة الاولى على طريق الوحدة وتصحيح المسار".
وفي غزة وتحت شعار "من اجل حماية الحريات الديمقراطية وانهاء الانقسام ورفض العبث بأمن الشعب الفلسطيني"، نظمت جبهة اليسار الفلسطيني بقطاع غزة الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية وحزب الشعب صباح يوم 30/7/2008 اعتصاماً جماهيرياً في ميدان الجندي المجهول بغزة والقى صالح ناصر كلمة باسم جبهة اليسار الفلسطيني قال فيها:
"نحن في جبهة اليسار الفلسطيني في قطاع غزة ندين بشدة جرائم التفجيرات التي استهدفت اخوة وقيادات مناضلة ومواطنين ابرياء وممتلكات خاصة, راح ضحيتها 5 كوادر من كتائب القسام وجرح عشرات المواطنين, كما استهدفت منزل النائب مروان ابو راس من قيادات حركة حماس. ان قوى اليسار تعتبر هذه التفجيرات جريمة ترمي الى تعميق الشرخ وتعكير اجواء الحوار الوطني. ولذلك ندعو لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تتسم بالحيادية والشفافية في عملها لتحديد المسؤوليات واعلان النتائج للشعب وتقديم الجناة للمحاكمة لإنزال اقصى العقوبات بحقهم".
" وفي نفس الوقت ان هذه التفجيرات الاجرامية وهي موضع استنكار وطني شامل لا يكون الرد عليها باجراءات شاملة وحملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من المواطنين والقيادات السياسية واغلاق العشرات من المؤسسات الاهلية والاندية ومكاتب المحافظات والاعتداء على المؤسسات الوطنية ونهب محتوياتها ومنع توزيع الصحف".
وأعرب ناصر باسم جبهة اليسار الفلسطيني عن الرفض القاطع لهذه الممارسات داعياً الى تحريم الاعتقال السياسي مشدداً على ضرورة احترام التعددية السياسية ومطالباً الافراج عن كافة المعتقلين لدى الطرفين في الضفة والقطاع واعادة فتح المؤسسات, وقال ان تجاوز هذه المحنة التي يمر بها الشعب الفلسطيني تتطلب انهاء الانقسام واستعادة الوحدة مشدداً على ان جبهة اليسار ترحب بدعوة الرئيس ابو مازن للحوار وبالرعاية المصرية داعياً الجميع للاستجابة لهذه الدعوة حتى يصل الفلسطينيون بكافة تشكيلاتهم امام حوار وطني شامل تشارك فيه كل القوى السياسية الفلسطينية لتنفيذ اعلان القاهرة الصادر في اذار/2005 ووثيقة الوفاق الوطني الصادرة في حزيران 2006 وجوهر المبادرة اليمنية التي اقرتها قمة دمشق العربية في اذار 2008.
قوى اليسار الفلسطيني تنشط حزبياً وتنظيمياً سياسياً ووطنياً, وتقدمت خطوة عملية الى الامام, وهي بذلك تصنع رافعة لشعبها, وتفتح ثغرة امل في الجدران المغلقة امام الحركة الوطنية الفلسطينية.
hamadehfaraneh@yahoo.com
حماده فراعنة
الأحد 3/8/2008