نـزاع فـي مجلـس الأمـن حول طلب تأجيل ملاحقة البشير
نيويورك ـ »السفير« تواصلت حالة الانقسام الحاد بين أعضاء مجلس الأمن، أمس، إثر مطالبة ليبيا وجنوب أفريقيا تضمين مشروع قرار يمدد مهمة قوة حفظ السلام المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة (»يوناميد«) في دارفور، فقرة تدعو لتأجيل طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو ـ أوكامبو إصدارة مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، بزعم ارتكابه جرائم حرب و»إبادة جماعية« في الإقليم بين عامي ٢٠٠٣ و.٢٠٠٤ ولقي الطلب الليبي ـ الجنوب أفريقي دعما من روسيا والصين وأندونيسيا وفيتنام وبوركينا فاسو، فيما أصرّت بريطانيا التي صاغت مشروع القرار على أن يقتصر فقط على تمديد مهمة قوة »يوناميد« لمدة سنة، خاصة أن صلاحيات القوة تنتهي بانتهاء تموز الحالي، ما يعني ضرورة تمرير قرار جديد إما اليوم أو غداً كأبعد تقدير. في المقابل، حظي الموقف البريطاني بدعم الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وكرواتيا وباناما وكوستاريكا. ونظراً لأن صدور قرار من مجلس الأمن يتطلب موافقة تسعة أعضاء على الأقل من الأعضاء الخمسة عشر، فإن أياً من الطرفين لم ينجح حتى الآن في حشد الأغلبية الكافية لتمرير القرار الخاص بتمديد مهمة »يوناميد« بالصيغة المرضية له. واعتبر السفير الاميركي في الأمم المتحدة زلماي خليل زاد التأجيل »سابقاً لأوانه« و»لا أساس له«، فيما اتهم المندوب السوداني عبد المحمود عبد الحليم الدول المعارضة للتأجيل بـ»إهانة أفريقيا« بأكملها، والاستخفاف بمخاوف زعزعة السلام هناك. من جهته، قال مندوب جنوب أفريقيا دوميساني كومالو، إن طلب بلاده وليبيا تأجيل البت بمذكرة التوقيف لمدة سنة هو لمصلحة السلام في دارفور، ولضمان الانتشار الكامل لقوة »يوناميد«، وليس لحماية فرد بعينه (البشير)، أو لإعاقة سير العدالة. وكان الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية قد دعوَا مجلس الأمن إلى التدخل وتأجيل نظر المحكمة الجنائية في طلب مورينو ـ أوكامبو، بناء على المادة »١٦« من اتفاقية روما التي أنشأت المحكمة، خاصة أن السودان لم يصادق على الاتفاقية، وبالتالي لا تسري أحكامه عليها كما تشترط صلاحياتها، فضلاً عن أن المجلس هو من أحال ملف دارفور إلى المحكمة .٢٠٠٥ لكن الدول الغربية في المجلس تقول إنها لا ترغب بالتدخل في مسار العدالة، وإن طلب القبض على البشير الذي أصدره المدعي العام مورينو ـ أوكامبو في مطلع الشهر الحالي لا يزال غير نهائي، ولا بد من أن يحظى أولاً بموافقة قضاة المحكمة، التي يرجّح أن تتطلب أكثر من شهرين. وتقول المصادر الدبلوماسية إن الدول الغربية ترغب في استغلال الفترة الحالية قبل صدور قرار المحكمة الجنائية، للضغط على الحكومة السودانية بهدف دفعها إلى تسليم مواطنين سودانيين آخرين كانت المحكمة طلبت توقيفهما بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. غير أن نظام البشير رفض بشدة تسليم المواطنين، وبينهم وزير الدولة للشؤون الإنسانية أحمد هارون، وقائد في ميليشيا »الجنجويد« يدعى علي كوشيب. وقد ألمح سفراء فرنسا وبريطانيا بالفعل، في وقت سابق، إلى أن تعاون الخرطوم في هذا الشأن قد يتيح النظر إيجابياً في طلب الأفارقة والعرب تأجيل البت بإصدار مذكرة توقيف بحق البشير. كما أشار المندوب البريطاني إلى إمكانية شطب فقرة في مقدمة مشروع قرار تجديد مهمة »يوناميد«، تدعو السودان إلى التعاون مع المحكمة الجنائية، فيما لو تخلت ليبيا وجنوب أفريقيا عن طلب فقرة التأجيل. هذه الخلافات أدت أمس إلى تلاسن علني بين خليل زاد والمندوب الروسي فيتالي شوركين. فقال زاد إنه »يبدو أن المعسكر الذي قام بحماية (رئيس زيمبابوي روبرت) موغابي، يود الآن أن يسبغ حماية مماثلة على نظام آخر متهم بارتكاب جرائم حرب«. وكان زاد يشير إلى استخدام روسيا والصين لحق النقض («فيتو«) في نهاية الشهر الماضي، لمنع صدور قرار يفرض عقوبات على أفراد النظام الحاكم في زيمبابوي، بسبب قمعه للمعارضة وفشله في عقد انتخابات رئاسية نزيهة. وللخروج من هذه الأزمة، اقترحت جنوب افريقيا وليبيا، بدعم روسي ـ صيني، إصدار قرار موقت يمدد مهمة بعثة »يوناميد« لمدة شهرين ريثما يتمّ حلّ الخلاف بشأن تأجيل طلب القبض على البشير. لكن نائبة المندوب البريطاني كارين بيرس رفضت الاقتراح ووصفته بأنه »غير عملي«. ورغم مرور أكثر من عام على قرار تشكيل »يونــاميد«، فإنه لم يتم نشر سوى ثلث هذا العــدد فقط حتى الآن