إديتا داود كاتبة القصة، ولدت في نيترا في تشيكوسلوفاكيا عام 1965، حاصلة على شهادة في علم المكتبات، تقطن حيفا هي وزوجها د. خالد داود الذي درس الطب في جامعات تشيكوسلوفاكيا، ولهما ثلاث بنات صابرين ومي ورُبى. بدأت إديتا الكتابة والنشر وهي في سن الخامسة عشرة نشرت اولى قصصها في مجلة "الطالب" ثم استمرت في مجلة "سلوفينكا" وهي مجلة المرأة السلوفاكية، ومجلة "زورنيشكا" وهي مجلة للاطفال، ومجلة "العالم التشيكوسلوفاكي".
جرت مياه كثيرة، في الجدول، منذ ان حدثت هذه الحدوتة.
اطلت ازهار الهندباء البرية، بعد ان فرغ صبرها، برؤوسها الصغيرة، وكأنها لم تعد تخاف الشتاء، وانتشرت الازهار بأريجها في كل مكان، وانبعثت حياة جديدة، لقد حل الربيع. وكان اطفال تلك الايام يفرحون لحلول الربيع اكثر من اطفال اليوم. وكانوا ينتعلون احذيتهم ويطوفون في الحقول والكروم. فمع انتهاء الشتاء يجب الترحيب بالربيع.
وتداعبت الاعشاب المجزوزة حديثا. واشرأبت الاوراق الخضراء بشجاعة وكأنها سيوف. وبدا وكأنه ولدت آلاف الاخوات للشمس، واشعت زهور الهندباء البرية، المجدولة في اكاليل، على رؤوس الفتيات الصغيرات. وطقطق البيض ودرجت منه الصيصان.
وتمختر الربيع في الطرقات الموحلة وعلى ظهرة سلة تتناثر منها ازهار النرجس والخزامى وزهرة الثلج – الاقحوان.
وفي ذلك الزمان عاش كميل وكميليا مع امهما الارملة الفقيرة التي فرشت شرشفا كتاني اللون على الطاولة، ووضعت البيض المسلوق مع قشر البصل في سلة صغيرة، وسحقت جوزة الطيبة وشرعت بطبخ الشوربة.
ركضت كميليا نحو امها وقالت:
- ماما! اريد لعبة صغيرة لها جديلتين مع شريطين مزركشين.
وقبل كميل امه وقال:
- ماما! اريد ان العب مع الاولاد. اشتري لي بعض البنانير الملونة.
وحزنت الام كثيرا. فمن اين تشتري لهما الالعاب!
وهي لا تملك ثمن الاحذية والثياب.
وتوجه الطفلان نحو شجرة التفاح وجلسا تحتها وبكيا بصمت.
اضاءت الشمس ثانية، وتثاءبت، وذهبت لتنام. وارتفع القمر في السماء. القى نظرة على الاجواء وفحص اذا كان الجميع نياما. وهل كل شيء على اتم ما يرام.
ولكن ما هذا؟
ان سرير كميليا وكيل فارغ! اينهما؟
بحث القمر عنهما في صحن الدار، والقى نظرة على الغرفة فوق السطح، وماذا رأى؟
رأسا صغيرا بجانب رأس صغير. وجسدا صغيرا بجانب الآخر. كميل وكميليا.
ابتسم القمر ومسح بيده على شعرهما والقى نظرة على احلامهما. فوجد ان لدى كميليا ثيابا براقة وحذاء احمر ملمع. وفي حضنها لعبة مع شعر طويل.
ابتسم القمر ومسح بيده لحيته الطويلة وغمز بعينيه والقى نظرة على حلم كميل. فرآه راكعا منحنيا فوق حفرة تلمع فيها البنانير الملونة بكل الوان العالم. وبجانبه سيارة صغيرة جديدة.
وفكر القمر، وفكر، لم ينتبه الى انه بقي طويلا في مكان واحد، الامر الذي لم يحدث معه خلال خدمته التي تمتد على مدى 100 الف سنة. فغمز بعينيه و.. نطت الشمس الشقية، في الصباح، من السرير مباشرة نحو قبة السماء. وداعبت وجه كميليا وانف كميل. وكرجت الى الامام. فعندها اليوم الكثير من الاشغال. ولو انها لم تكن على عجلة...
استيقظت كميليا وضمت اللعبة وهي تصيح بفرح، حتى انها لم تنتبه للثياب الجديدة، لها ولأخيها.
اما كميل فبحث بسرور عن اول حفرة. فجيبه مليئة بالبنانير الجديدة.
وركض الطفلان السعيدان نحو حضن امهما. ولم يلحظا انه في تلك اللحظة مر الربيع ووضع على رأس كميل قبعة صغيرة خضراء، وشبك خيوطا ذهبية في شعر كميليا.
كما ان الشمس لم تسمح بان يخجلوها فأشعت على كل الحديقة ضوءا ساطعا. وجعلت الاشجار تبرعم وتزهر وتنضج التفاح الحلو في الحال.
هكذا حصل الطفلان الطيبان المتواضعان على الهدايا من القمر والشمس والربيع.
(ترجمة: د. ادوار الياس)
إديتا داود *
الأربعاء 30/7/2008