إنتصار الجبهة الطلابية في جامعة حيفا بدأ قبل افتتاح الصناديق بكثير.. فقد كان هناك، منذ ثلاثة أشهر، من أراد التملص من الاستحقاق الانتخابي، وتأجيل الانتخابات للسنة الدراسية القادمة. وبعد إصرار الجبهة على إجراء الانتخابات، وبعد أن تم تحديد موعد لها، فوجئنا، ولأول مرة في تاريخ الحركة الطلابية برمتها، باشتراط وجود قوة من الشرطة "تحرس" العملية الانتخابية، وعلى حساب لجنة الانتخابات. وكان هناك من كان مستعدًا للتساوق مع هذا الشرط الخطير. ولولا موقف الجبهة الطلابية العنيد، ولولا تدخل كتلة الجبهة البرلمانية، لكان هناك من ساوم ورضخ لإدارة الجامعة.
ولا يخفى على أحد أنّ الهيئات الطلابية قد تقهقرت في السنة الأخيرة، وتراجعت من حيث مستوى الوعي السياسي والأداء الكفاحي والشرعية الجماهيرية. وفي جامعة حيفا تحديدًا، تخلت لجنة الطلاب عن مضمونها السياسي التمثيلي، مستنسخةً سياسة "اللاسياسة" السائدة في نقابة الطلاب العامة. مع فارق جوهري واحد: المناقيش بدل "الكرمبو"!
تخيّلوا أن لجنة الطلاب السابقة (بقيادة إقرأ والتجمع) لم تجر على مدار أكثر من سنة نشاطًا سياسيًا واحدًا؟ لم تنظم مظاهرة سياسية واحدة في الحرم الجامعي؟ ولم يكن لها أي دور يذكر في الإضرابات الطلابية والنضال ضد خصخصة التعليم العالي؟
في هذه الأجواء الحضيضية، لم ترتق أية قضية إلى درجة تجريب مكنون الاصطفاف الإسلامي-القومي في الجامعات، سوى قضية واحدة في غاية الأهمية: حفلة رقص نظمها الاتحاد القُطري! أهذه هي الحركة الطلابية التي خرّجت قادة جماهيرنا العربية؟ أهذه هي السياسة التي نريد؟
أما الأزمات المفتعلة خلال يوم الانتخابات، وجرجرة الفرز ثلاثة أيام إضافية، واحتجاز صناديق الاقتراع، والمحاولات الفاشلة لاقتناص الإرادة الطلابية، والسعي لتصفية تمثيل "أبناء البلد" من خلال رفع نسبة الحسم - فكلها تؤكد أمرًا واحدًا: أنّ ثمة بديلا سياسيًا، منهجيًا وواضحًا، لهذا التقهقر، تقوده الجبهة الطلابية. وهذا هو سبب الاصطفافات الغريبة العجيبة ضدها.
وبعد، فإن أهمية هذا الإنجاز ليست في الأرقام والمقاعد، بل في المدلول السياسي للديناميكية الآخذة في التبلور على الساحة. لقد أفرزت هذه الانتخابات ملامح المرحلة الجديدة في الحركة الطلابية: إستقطاب بين التيار الوطني التقدمي الكفاحي المسيَّس والمسيِّس، من جهة، والتيار الذي يستعيض عن السياسة بتسييس المشاعر الدينية، ثم تجييشها وامتطائها، من جهة أخرى. وعلى الجميع أن يقرّر اليوم موقفه وموقعه.
فألف تحية لخط المواجهة الأول، لأبطال وبطلات جامعة حيفا الشامخين والشامخات، لصانعي هذا النصر الهام، الذين أبوا إلا أن يطلع نهار جديد، وأبوا إلا أن يخطوا خطوة جديدة نحو إعادة الحركة الطلابية إلى سابق عهدها الكفاحي المشرق.
رجا زعاترة
الأثنين 21/7/2008