شهدت ساحة التطور خلال هذا الاسبوع، الذي نودع آخر ايامه، حراكا سياسيا مكثفا لأحداث درامية لها مدلولاتها السياسية الهامة، ففي نهاية الاسبوع المنصرم برز الحدث الهام الاول بلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوفد المرافق له مع الرئيس السوري بشار الاسد وبعض المسؤولين الرسميين في النظام السوري. فعلى اجندة هذا اللقاء كان الهدف محاولة التوصل الى تحقيق هدفين اساسيين مترابطين جدليا، الهدف الاول، تبادل وجهات النظر بين الطرفين حول عملية التفاوض بين اسرائيل وكل من سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، واهمية التنسيق بين الطرفين السوري والفلسطيني لانجاز السلام العادل الذي يعيد لسوريا كل هضبة الجولان السورية المحتلة منذ السبعة والستين وللشعب الفلسطيني مناطقه المحتلة منذ السبعة والستين وتجسيد حقه الوطني الشرعي بالدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب القرار 194 للامم المتحدة وبتنظيف المناطق المحتلة من الدرن السرطاني للاستيطان الكولونيالي الاسرائيلي. فالتنسيق بين النظام السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية السقف المرجعي للسلطة الوطنية الفلسطينية ضرورة موضوعية تحتمها طبيعة الصراع المصيري ضد العدو المشترك – محور الشر الاسرائيلي – الامريكي – ولقطع الطريق في وجه اية محاولات اسرائيلية للابتزاز السياسي من خلال "اللعب على ورقة المسارين. لابتزاز كلا الطرفين السوري والفلسطيني.
والهدف الثاني من لقاء الاسد – عباس هو بذل مجهود سوري لانهاء حالة الانقسام والصراع الداخلي الفلسطيني، خاصة بين حماس وفتح، بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والعمل على اعادة اللحمة الى وحدة الصف الوطنية الكفاحية الفلسطينية المتمسكة بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، حقه بالحرية والاستقلال الوطني والعودة. وقد اثبت تطور الاحداث منذ انقلاب حماس على الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة ان المستفيد الوحيد من هذا الانقسام وهذا الصراع الداخلي هو المحتل الاسرائيلي الذي تزداد شهيته العدوانية يرفض التسوية العادلة للقضية الفلسطينية ويصعد من جرائمه ومجازره وعملياته الاستيطانية ضد الشعب الفلسطيني وارض وطنه المغتصب. ولكن للاسف الشديد فان المبادرة السورية لارساء راية الصلح بين حماس وفتح ورفع راية الوحدة الوطنية لم يتمخض عنها أي تقدم جدي في هذا السياق، ومصيرها كان كمصير المبادرة اليمنية ومبادرة الرئيس الفلسطيني محمود وعباس للحق الوطني. فكلا الطرفين في حماس وفتح يطرح شروطا املائية، وكأن القضية هي مبارزة للحسم بين المنتصر والخاسر، وكل طرف يدعي انه يريد حوارا دون شروط مسبقة!! وما نود تأكيده انه لا مجال لهذه المناكفة العبثية التي ثمارها علقم ومواصلة معاناة الشعب الفلسطيني من جرائم الحرب وحصار الجوع الذي يمارسها المحتل الاسرائيلي واوباش قطعان مستوطنيه، فالقضية تتطلب مسؤولية وطنية لقوى تناضل تحت نير الاحتلال، على حماس التراجع عن انقلابها غير الشرعي لفتح الطريق امام اقامة حكومة وحدة وطنية مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية وتبلور برنامجا كفاحيا لانجاز الحق الوطني المغتصب.
الحدث الثاني يبرز في مركزه النظام السوري ايضا ورئيسه بشار الاسد. فمن حدة احداث التطور والصراع في المنطقة ادرك الرئيس الفرنسي ساركوزي انه لاستعادة نفوذ ومكانة فرنسا المفقودتين منذ انهيار الامبراطورية الاستعمارية الفرنسية وتحرر شعوب وبلدان مستعمراتها سياسيا، فانه لا يمكن تجاهل دور وموقع سوريا كعامل هام واساسي مؤثر في المنطقة. فحصار العزلة الذي حاولت ادارة عولمة الارهاب الامريكية وحكومة العدوان الاسرائيلي وتواطؤ بعض الانظمة العربية والقوى اللبنانية المدجنة امبرياليا التواطؤ معها لنسج طوق العزلة حول رقبة النظام السوري قد مزقته واخترقته مواقف الصمود السوري في وجه هرولة التدجين الامريكي في المنطقة والدوس على مكابس الضغط الاسرائيلية – الامريكية.
وقد ادرك ساركوزي ومن خلال التدخل في الشأن اللبناني الى جانب قوى الموالاة السلطوية اللبنانية والى جانب الحليف الامريكي – الاسرائيلي الاستراتيجي لزرع الفرقة وحسم الصراع في لبنان مصالح القوى المدجنة امريكيا وامبرياليا ويهدف القضاء على المقاومة اللبنانية وحلفائها وزرع بذور الفرقة الابدية بين لبنان وسوريا، ادرك ساركوزي هذا ان العلاقة بين الشعبين السوري واللبناني، بين النظام السوري وقوى المقاومة اللبنانية اقوى بما لا يقاس من مخططات التآمر الامبريالية – ويقر الاعداء قبل الاصدقاء ان للنظام السوري دوره الحاسم والمؤثرة في حل الازمة السياسية اللبنانية، في التوصل الى اتفاقية الدوحة باقامة حكومة الوحدة الوطنية بين مختلف قوى الموالاة والمعارضة اللبنانية. لقد اضطر ساركوزي الى الاشادة بالدور السوري في التوصل الى اتفاقية الدوحة.
وبحكمة سياسية ولقطع ايدي محراك الشر والدساسين الذين راهنوا ويراهنون على تأجيج فتن الفرقة بين سوريا ولبنان، بحكمة سياسية احسن بشار الاسد احترامه للسيادة اللبنانية واستعداد سوريا لاقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين الشقيقين التوأمين وترسيم الحدود بينهما بهدف تعزيز الموقف لتحرير مزارع شبعا من دنس الاحتلال الاسرائيلي.
ولا احد يستطيع انكار حقيقة ان فشل الحرب العسكرية والسياسية التي شنها محور الشر الاسرائيلي الامريكي على لبنان في تموز الفين وستة وانتصار ارادة المقاومة اللبنانية وحزب الله في مركزها وبدعم من سوريا وايران وفي وقت كانت فيه مختلف الانظمة العربية تفترش مدرجات الفرجة منتظرة سحق المقاومة اللبنانية لا احد يستطيع انكار ان من نتائج هذه الحرب اكتمال عرس نصر المقاومة اللبنانية في السادس عشر من تموز الفين وثمانية بتحرير الاسرى اللبنانيين وعلى رأسهم عميد الاسرى اللبنانيين سمير قنطار ورفاقه وتحرير جثامين عدد كبير من الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين. لقد عكست معطيات صفقة تبادل الاسرى بين اسرائيل وحزب الله تجسيدا لما اكده الامين العام لحزب الله الشيخ حسن نصرالله عندما تم اسر الجنديين الاسرائيليين، اذ اطلق على العملية اسم "الوعد الصادق"، الوعد بعدم اطلاق سراح الجنديين الا من خلال عملية تبادلية متكافئة يكون في مركزها اطلاق سراح الاسرى اللبنانيين وعلى رأسهم عميد الاسرى سمير القنطار الذي يعاني في غياهب الاسر والسجون الاسرائيلية منذ التاسعة والسبعين من القرن الماضي. كما ان الصفقة الحالية تنسق الموقف الاسرائيلي المعهود بعدم تحرير واطلاق سراح من ايديه ملطخة بدماء العدوان!! فمبروك لتحرر الاسرى وجثامين الشهداء وعقبى تحرير الاف الاسرى الفلسطينيين وبضمنهم الاسرى من المواطنين العرب الفلسطينيين في اسرائيل.
الحدث الثالث الذي ينطوي على مدلول سياسي بعيد المدى هو اصدار المدعي العام في المحكمة الدولية الجنائية التابعة للامم المتحدة امرا بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير لمحاكمته بتهم ارتكاب جرائم حرب، جرائم ضد الانسانية بارتكاب مجازر القتل واغتصاب النساء في اقليم دارفور!!
من الواضح جدا ان موقفنا المبدئي كان ولا يزال اننا لن نكون دفيئة لحماية او للدفاع عن أي مجرم حرب، مهما كانت هوية انتمائه القومية والاثنية او الطائفية الاثنية ايديه ملطخة بدماء ابناء شعبه الابرياء او ابناء الشعوب الاخرى. الحكومة السودانية بموقفها الرسمي رفضت قرار المدعي العام والجرائم المنسوبة الى رئيسها عمر البشير. واستند رفضها بالاساس على ان لا ولاية للمدعي العام للمحكمة الدولية ولا صلاحية له بالتدخل في الشأن الداخلي السوداني، خاصة وان السودان من بين الدول التي لم توقع على طلب الانتساب الى هذه المحكمة الدولية!!برأينا ان القضية التي طرحها المدعي العام، وفي هذا الظرف السياسي من الصراع داخل السودان تعكس حقيقة ان القضية بجوهرها وبمدلولها السياسي قضية سياسية بالاساس وليست قضية قضائية جنائية، وان الدوافع والاهداف هي سياسية. فقد جاء طلب المدعي العام بايقاف الرئيس عمر البشير في ظل تصعيد التآمر لتقسيم السودان الى دويلات اثنية وقومية، في ظل الدسائس الامبريالية لسلخ اقليم دارفور الغني بالنفط والمعادن الثمينة عن السودان، في ظل الدسائس الامبريالية لاشعال فتيل فتك الصراع بين الشمال والجنوب، بين العرب والافارقة من بربر وغيرهم. بعد امر الايقاف في وقت تبذل فيه الجهود والمحاولات من الاتحاد الافريقي وعدد من الانظمة الافريقية لتطويق الازمة، وهنالك نوع من بوادر جدية للتقدم في راية المصالحة الوطنية وتخطي نيران الازمة المحركة. ولا نستبعد ان يكون من دوافع طلب المدعي العام الانصياع لمواقف امبريالية، خاصة فرنسية وامريكية لازاحة الصين من سوق المنافسة معها في السودان وغيره. فالصين تنشط في السنوات الاخيرة باكتساح العديد من الاسواق التجارية والاستثمارية في بلدان القارة السمراء.
لقد حذرنا سابقا ونحذر اليوم اكثر في ظل هيمنة الطابع الشرس التمييزي للعولمة الرأسمالية، وحذرتا من مغبة تحول العديد من الميثاق الشرعية الدولية الى مطية في خدمة مصالح حيتان العولمة الرأسمالية وليس في خدمة مصالح ضحايا "سمك القرش" الذي من اجلهم اقيمت هذه المؤسسات بهدف سيادة العدالة والتطور الحر على الكوكب الارضي. لقد انتقدنا في السابق وننتقد اليوم اكثر سياسة التعامل بمعايير ومقاييس مختلفة التي تلجأ الى مؤسسات الشرعية الدولية، خاصة مجلس الامن الدولي، والمحكمة الدولية، في اتخاذ الموقف من قضايا متشابهة. لماذا لم يصدر المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، لا في السابق ولا في اليوم، امرا بتوقيف ومحاكمة ومعاقبة حكام اسرائيل بالتهم الدامغة، حول ممارستهم لجرائم الحرب، الجرائم ضد الانسانية، التي ارتكبوها ويرتكبونها ضد العزّل من المدنيين الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة بتاريخ الصهيونية الحاكمة في بلادنا سلسلة من جرائم الحرب الدموية ضد الشعب الفلسطيني واللبناني ايضا ضمن المجازر المتكررة الى حصار الجوع الى تدنيس الارض الفلسطينية والسورية المحتلة باوباش الاستيطان جميعها جرائم حرب تقشعر لها الابدان. فلماذا تكون اسرائيل "فرفور ذنبها مغفور" في هذا العهد المعولم المهتوك! اتوجد جريمة حرب اكبر من حرمان حوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني من العودة الى وطنه؟!
لماذا لا يصدر المدعي العام للمحكمة الدولية امرا بايقاف الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش واعضاء ادارته وقادة جيشه وتسليمهم للمحاكمة بتهم جرائم الحرب الهمجية التي يرتكبونها في العراق المحتل، فقتل اكثر من مليون ونصف مليون عراقي غالبيتهم الساحقة من المدنيين وتهجير الملايين الى اللجوء القسري داخل وخارج العراق وتدمير حضارة العراق والتآمر لتقسيمه وطنيا واقليميا الا يستحق كل محاكمة هؤلاء كمجرمي حرب مكانهم التعفن في غياهب السجون. فلو حدث ان استدعى بوش واولمرت والبشير الى منصة العدالة لقلنا العدالة تأخذ مجراها، ولكن الشعوب تمهل ولا تهمل جميع المجرمين!
د. احمد سعد
السبت 19/7/2008