من يشاهد الأمور في تسلسلها اليومي البطيء، والممض أحيانا، يعتقد أن كل شيء يراوح مكانه؛ لا جديد تحت الشمس؛ الغرب غرب والشرق شرق. ولكن قبل أن نبتعد قليلاً لنرى الأمور في شموليتها وحركتها، من الجدير الانتباه إلى دلائل صغيرة، أحياناً هي في حجم حبة السمسم، وربما أصغر، هذه الدلائل ترينا أن الحياة تسير إلى الأمام بقوة واندفاع أكثر مما نتصور، وأحيانا من أبواب اعتقدنا أنها موصدة بأقفال سميكة لا يمكن اختراقها.
ولذلك أقول لكل المناضلين والمناضلات في سبيل تحرر المرأة ومساواتها، إن هنالك تغييرا كبيرا في نظرة المرأة، وخاصة المرأة الشابة، إلى نفسها، إلى حريتها، كرامتها وحقوقها، وكذلك هنالك تغيير في نظرة المجتمع للمرأة وحقوقها.. حفلات الأعراس هي ذلك الباب الموصد، الذي نكتشف فجأة أنه قد تغير معلناً انتهاء عهد وبداية عهد جديد.
في حفلات الأعراس التي تجتاح كل خلية في حياتنا في هذه الأيام، وتزدهر كما ينبت الفطر بعد يوم ماطر مشحون بالبرق والرعد، وجدت أن شيئا ما هنالك قد تغيّر، وعدت بذاكرتي إلى أيام بعيدة مضت، حيث كان من الواجب على العروس أن تبكي وأن يحزن أهلها على زواجها وفراقها وابتعادها.. كان عليها أن تتمنع عن الابتسام والمرح، لئلا تُظهر فرحها بالعرس وبالعريس، كان على أهل العروس التزام الصمت، كأنهم في مأتم، أو أن يتظاهروا، على الأقل، بالزعل.
في ذلك الحين لم يكن العريس هو حجر الزاوية فقط بل كان هو كل البناء، بينما العروس كانت جزءا من الديكور في مشهد الفرح "الرجولي"... العريس يُرفع على الأكتاف، السهرة للعريس، الهتاف للعريس.. أما العروس القابعة في قفصها المخملي، فقد ظهرت حزينة، باكية.. فهذا الجناح الضعيف سيذهب بعيدا لمَلكيّة أخرى ولأسياد غرباء، عائلة دار عمها وحماتها التي طُلب من العروس أن تطيعها وأن تسمع كلمتها، وطُلب منها أن تكون "تِم يوكل.. تِم ما يحكي".
اليوم تم استكمال الانقلاب الهادئ.. الشابة العروس لا تقبل بأقل من إقامة جميع الطقوس التي تتم للشاب، قرينها.. وقصة هذه المسيرة حتى استكمال الانقلاب هي قصة طويلة وقديمة.. كان علينا انتظار 20-30 عاما، لكي يصبح جيل الشباب آنذاك، أي الجيل الحالي من الآباء والأمهات، من هم اليوم في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم، ليتسلم زمام الأمور في هذه المرحلة الحاسمة..
وعلى نفس النسق في تعامل هذا الجيل مع الأطفال، حيث لا مكان لكلمة "لا"، كما يقول غازي أبو ريا الأسبوع الماضي في الاتحاد، في مواجهة طلباتهم، تعويضا عن أجواء الحرمان التي عاشوها.. هكذا الأمر الآن مع الابنة التي تحتفل بعرسها، وأحد تجليات هذا الانقلاب في التفكير والتصرف، يظهر في حفل العرس. أهل العروس، أصبحوا يقيمون "التعاليل" لبناتهم، تماما كما العريس، والعروس التي طُلب منها أن تكون آخر من يفرح، كما يقتضي الواجب تجدها الآن أول من ينزل إلى حلبة الرقص، وتصعد إلى المنصة، وتدور على المعازيم.. وتُرفع عاليا و.."يا قمر منوّر".. أصبحت تملك كامل الحقوق، لا أقل من العريس، والأهم من هذا كله، أن العروس لا تشعر بذرة نقص واحدة في هذا المعترك.. العصر الجديد أعاد إليها شبابها وصباها، وأعاد إليها فرحها.
لو فعلت العروس "فعلتها" هذه في زمن ما مضى، "لدملها" الناس، هي وأهلها بالحكي"..
من قال أن الأرض لا تدور؟؟
عاش الانقلاب الهادئ بالأبيض.
عودة بشارات
الخميس 17/7/2008