فــي قــرار اعتقــال عمــر البشــير: قفــزة عدليــة أم التفــاف قانونــي؟
بعد ستة أعــوام على تأسيسـها، وأربعة ملفات فتحتها ولم تغلق أياً منها بعد، و١٢ متهماً لم تتمــكن من اعتقال نصفهم، خطت المحكمة الجنائـية الدولية في لاهــاي، أمس، خطوة هي الأولى من نوعها منذ تأسيــسها، طارحـة سابقــة مثــيرة للجدل لا تتوقف عند حدود القانون. بمعزل عن الاتهامات التي وجهها مدعي عام المحكمة لويس مورينو ـ أوكامبو لأول مرة إلى رئيس في منصبه، طالباً إصدار مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير تمهيداً لمحاكمته، وبمعزل عن خطورة التهمة ـ البشير متهم بأنه »الرأس المدبّر« لإبادة جماعية منظمة في إقليم دارفور ـ تفترض الضرورة الموضوعية الاضاءة على نقاط قانونية لفت إليها نقيب محامي السودان فتحي خليل محمد، في لقاء مع »السفير« في بيروت: أولاً: قرار المدعي العام يوجه ضد مواطن يتبع لدولة لم توقع على اتفاقية روما (٢٠٠٢) لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وتنص الفقرة الثانية من المادة »١٢« من اتفاقية روما([) بعدم صلاحية المحكمة تجاه المواطنين الذين يتبعون إلى دولة لم تصادق على الاتفاقية. ثانياً: إن صلاحية المحكمة الدولية بحد ذاتها هي في غير محلها، فملف دارفور موضوع الاتهام كان أحيل إليها من مجلس الامن في العام ،٢٠٠٥ بالقرار ،١٥٩٣ في وقت تفرض فيه اتفاقية روما أن تكون أي إحالة من هذا النوع قائمة على قضية »تهدد السلم والامن الدولي«، أي قضية نزاع دولي بحسب فتحي محمد، وهي ليست حال دارفور، وإلا فلماذا لا تقحم المحكمة الدولية نفسها في كشمير والشيشان؟ ثالثاً: يلفت محمد إلى كلام للمدعي العام، في شباط العام الماضي، اتهم فيه الوزير السوداني أحمد هارون وأحد قادة ميليشيا »الجنجويد« علي كوشيب، بأنهما »المسؤولان الأكبران عن كل جرائم دارفور بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٥«، مضيفاً »كيف إذاً تغير الحال إلى توصيف الرئيس البشير بأنه هو المسؤول الاكبر عن جرائم دارفور منذ العام ٢٠٠٣؟«. من جهة أخرى، يثير النقيب السوداني مسألة الكيل بمكيالين: طالما أن العضوية في اتفاقية روما ليست شرطاً أو مانعاً لتطبيق بنودها، فلماذا والحال كذلك لا تطبَّق على الجنود الاميركيين والاسرائيليين الذين يرتكبون جرائم حرب في العراق وفلسطين، والتي أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل رفضهما المصادقة عليها؟ لكن الاراء في هذه القضية تنقسم. وثمة من يتفاءل بقرار محكمة لاهاي باعتباره »تطورا بالغ الأهمية للعدالة الدولية«، بحسب نائب رئيس »مجموعة الأزمات الدولية« نيك غرونو. وإن كان غرونو حذّر، في اتصال مع »السفير«، من أن »الخطوة تخلق أيضاً خطورات كبيرة للسلام في السودان«. يتابع غرونو أن »التحدي الذي يواجهه صانعو السياسة الدولية الان، يكمن في كيفية تقديم أفضل الدعم للعمل الفائق الاهمية للمحكمة الجنائية الدولية ـ مع ما تعد به من رفع لحصانة المسؤولين عن الفظاعات... مع الالتفات على حد سواء، إن لم يكن بدرجة أكبر، إلى الحاجة العاجلة لإنهاء العذاب المروّع للشعب السوداني، وضمان عدم تفجر أي عنف ضخم من هذا النوع«. المسألة، بالنسبة لنقيب المحامين السودانيين، تتجاوز البعد الانساني إلى المدار السياسي: الجديد في هذا المنعطف الزمني هو »فشل جميع المخططات ضد السودان«، من أزمة القوات الدولية التي قفزت الخرطوم فوقها، إلى هجوم أم درمان في العاصمة من قبل قوات »العدل والإحسان« المدعومة من تشاد وفرنسا. وهكذا، يضيف، »لم يبقَ أمامهم إلا المحكمة الدولية«.