نضال وتد- حيفا: اعتبر أستاذ القانون في جامعة حيفا الدكتور يوسف جبارين، مدير مركز "دراسات"، المركز العربي للحقوق والسياسات، تمرير الكنيست في الأسبوع الماضي لجملة من القوانين العنصرية والتميزية، ووقوف وزير القضاء الإسرائيلي، البروفيسور داني فريدمان( وهو أيضا أستاذ في القانون) وراء محاولات الحكومة لتقييد سلطة للقضاء، يمثل تجليا لسياسات قضائية وحقوقية تعتمدها الحكومة الإسرائيلية باتجاه المزيد من انتهاك حقوق الفلسطينيين العرب من مواطني إسرائيل، وإطلاق يد الجيش الإسرائيلي والجنود الإسرائيليين في الأراضي المحتلة، عبر توفير أسس قضائية وقانونية تعفيهم كليا من أي مسؤولية عن ممارساتهم في الأراضي المحتلة، في توجه يجعل إسرائيل الدولة الوحيدة التي تتجه في نصوص قوانينها نحو تكريس المزيد من العنصرية والتمييز العنصرية. وقال إنه في الوقت الذي تتجه فيه باقي الدول في العالم نحو الليبرالية وضمان حقوق الإنسان والأقليات الثقافية والتربوية والقومية، فإن الحكومة الإسرائيلية، تتجه نحو ضرب السلطة القضائية وسد الطريق أمام احتمالات التوجه للمحكمة الإسرائيلية ضد القوانين العنصرية.
وأكد الدكتور جبارين، أن هذا التوجه يأتي في واقع الحال، ليتوج سنوات من التحريض المستمر من قبل اليمين الإسرائيلي على الفلسطينيين في الداخل، وعلى الشعب الفلسطيني بشكل عام، وهو يندرج في إطار السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تكريس يهودية الدولة والحد من حرية كل من يرفض القول بيهوديتها، أو يتحدى هذه التوجهات. وفيما يلي نص المقابلة:
د. يوسف في الأسبوع الماضي مررت الكنيست عدة قوانين عنصرية، أو على الأقل تكرس التمييز ضد الفلسطينيين في الداخل وفي مقدمتها قانون منع لم الشمل لفلسطينيين تزوجوا من فلسطينيات أو من نساء عربيات من الدول العربية، كيف تفسر هذه التشريعات وبهذه الوتيرة؟
عمليا نحن نشهد ليس فقط في الأسبوع الأخير، وإنما في السنوات الأخيرة موجة من التشريعات التي يقودها ويمررها اليمين الإسرائيلي في الكنيست، وهي تشريعات تسعى في الواقع إلى فرض معادلة جديدة على الفلسطينيين في الداخل، وفي التعامل مع الشعب الفلسطيني عموما. فإسرائيل تستغل المفاوضات مع القيادة الفلسطينية الرسمية، لرسم حدود وإطر جديدة لعلاقتها مع الفلسطينيين في الداخل للحد من الحريات السياسية للأقلية العربية الفلسطينية، سعيا لتكريس يهودية الدولة والتفوق الرسمي والفعلي للمواطن اليهودي على المواطن العربي الفلسطيني، وتكريس دونيته القانونية كمواطن من الدرجة الثانية وحتى الثالثة، والقول له بوضوح ودون لبس إنه مواطن غير مساو للمواطن اليهودي.
هذه التشريعات هي في الواقع تعكس التدهور الخطير لنظرة المجتمع اليهودي الإسرائيلي للمجتمع العربي، وعدم اعترافه بحق العرب بالحصول على حقوق متساوية مثل المواطن اليهودي، وهو ما أكدته الاستطلاعات الأخيرة التي أفادت بأن ثلثي المواطنين اليهود وافقوا على مقولة عدم منح العرب حقوق متساوية.
ضمن التشريعات المذكورة كان قرار الحكومة والكنيست بالمصادقة على تمديد سريان القانون المعروف بقانون المواطنة، والذي يمنع عمليا منع الشمل للعائلات الفلسطينية إذا كان أحد الزوجين من الضفة والقطاع أو من إحدى الدول العربية، ما هو الجديد هذه المرة؟
هنا يأتي وجه جديد من محاولات رسم معادلة جديدة مع المواطنين العرب، فلغاية الآن كانت اسرائيل تدعي أنها توفر الحقوق والحريات المدنية للأفراد، بمعنى أنها لا تعترف بالعرب كأقلية قومية، ولا بحقوق جماعية لهم، لكنها توفر لهم كأفراد المساواة الكاملة، وهنا يأتي هذا التمديد ليؤكد زيف هذا الادعاء، فهو يعني في الواقع المس بالحرية الشخصية للفرد في اختيار شريكة حياته، وهذا القانون يلغي ويمنع إمكانية لم الشمل في حالة كون أحد الزوجين من الضفة والقطاع، أو من البلدان العربية.
ومع أن القانون يسوغ ذاته بأنه ينطلق من دوافع أمنية إلا أنه من الواضح أن الدوافع والغايات هي سياسية صرفة، وهي مرتبطة بما ذكرناه في مجال يهودية الدولة والصراع الديموغرافي، فهذا هو السبب الحقيقي، وليس أي مبرر آخر يمكن للحكومة أن تورده، فهنا يتضح لنا البعد السياسي والقومي المتعلق بالسياسة الرسمية للحفاظ على أغلبية يهودية، واعتبار هذه الزيجات، نوعا من المؤامرة العربية، الهادفة إلى تحقيق حق العودة، بصورة فردية.
صحيح أن القانون لا يشير على هذا الأمر، لكنه أيضا يتنكر لتداعياته وانعكاساته، فهو يشكل عمليا تجاوزا لكافة الخطوط الحمراء وهو يمس بأغلى نواة في حياة الإنسان العربي، في حياته الاجتماعية، وهو ما يعكس حجم ومدى الانزلاق الإسرائيلي الرسمي في هاوية العنصرية، فهذا القانون هو قانون تصنيف عرقي ضد العرب في البلاد، وهو من نوعية القوانين التي غابت أو اختفت من قوانين ودساتير دول العالم، مثل القوانين الأمريكية التي كانت تمنع الزواج بين البيض والسود، أو قوانين التفرقة العنصرية التي كانت سائدة في دولة الأبرتهايد في جنوب أفريقيا.
وزيادة على ذلك فإن هذا التشريع العنصري يناقض صراحة نصا وروحا، المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق التي تتحدث عن حقوق الأقليات ومنها الإعلان العالمي لحقوق الأقليات من العام 1992، وفي حالة الفلسطينيين في الداخل فإن هذه التشريعات تناقض أيضا الإعلان العالمي من العام الماضي بشأن حماية الأقليات الأصلية في بلدانها.
مررت الكنيست في الأسبوع الماضي أيضا قانونا يمنع من زار "دولة العدو" في العرف الإسرائيلي من الترشيح للكنيست، وهذا يعني منع قسم من النواب العرب الحاليين من ترشيح أنفسهم للكنيست؟
نحن هنا أمام محاولة من محاولات ضرب التمثيل السياسي للأقلية العربية والتدخل في هوية ممثليها في الكنيست، وهنا نجد أنه يتم تجنيد أو استغلال سيطرة اليمين الإسرائيلي من أجل فرض علاقة جديدة ترسخ دونية المواطن العربي، عبر المس الواضح والصريح بالحريات السياسية وحرية العمل البرلماني وحرية العمل الحزبي، من خلال المس بالحق في الترشح، ومحاولة إبعاد القيادة السياسية المنتخبة للجمهور العربي، وهذا خرق واضح للقوانين الدولية ولحق الأقليات القومية بالتواصل اجتماعيا وثقافيا وإنسانيا وتعليما مع شعوبها الأصلية وقوميتها الوطنية، لا سيما وأننا نتحدث عن تواصل سلمي مبني على التواصل العائلي والأسري في حالة الجماهير العربية، التي لها أقارب شردوا ويعيشون في الدول العربية المجاورة.
إلى ذلك فإن هذا القانون يحاول عمليا ترسيخ وتكريس الموقف الرسمي الإسرائيلي القائل بأن العرب في الداخل ليسوا جزءا من الشعب الفلسطيني أو الأمة العربية، وهو محاولة لتنشئة جيل جديد له دائرة علاقات مختلفة، أساسها ولبها العلاقة مع الدوائر الرسمية الإسرائيلية وليس مع الدوائر العربية.
ولا بد من الإشارة في هذا السياق، إلى أنني أعتقد بأن ذلك يرتبط ارتباطا عضويا برسالة ترهيب للجماهير العربية وليس فقط للنواب أو القادة العرب، حتى لا يفكروا بأي نوع من العلاقة مع العالم العربي أو الشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق أشير إلى منع الكاتب أنطوان شلحت من السفر لخارج البلاد، وفرض القيود باستمرار على حركة الشيخ رائد صلاح، ومحاولات المؤسسة ترهي وإخافة الشبان، مثل الناشطين في حزب التجمع من الالتقاء بعضو الكنيست السابق عزمي بشارة، وتهديدهم بأن ذلك سيعرضهم لطائلة المسائلة القانونية والجنائية.
إذا عمليا نحن أمام عملية متواصلة لقوننة وشرعنة العنصرية في إسرائيل، ما هي أهم الخطوات الحكومية لضمان نجاح هذه العملية؟
العنصرية والتصنيف العرقي كان موجودا دائما، ولكن كان هناك موقف رسمي ونص قانوني يتحدث عن مساواة للجميع، وكان التمييز الفعلي يتم عبر التطبيق للنظم الإدارية والتعقيدات البيروقراطية، أما الآن فنحن أمام نص صريح في مواجهة مباشرة مع الأقلية العربية ومع القانون الدولي، وحتى مع سلطة القضاء وسد الطريق أمام إمكانية نقض شرعية التمييز من خلال شرعنته في قانون صريح لا يترك ثغرة يمكن للمواطن العربي أن ينفذ منها إلى المحكمة العليا.
عمليا، فإن خطورة التشريعات الأخيرة، والأجواء الأخيرة، تكمن في مواقف وزير القضاء الذي يحاول رسميا تعديل قانون أساسي كرامة الإنسان وحريته لضمان منع رقابة قضائية وقانونية والحيلولة دون وجود إمكانية للتوجه إلى القضاء والسلطة القضائية لإسقاط القانون لعدم شرعيته وخصوصا قوانين التجنيس والهجرة وسد الطريق امام منظمات حقوق الإنسان والأفراد من التوجه إلى المحكمة العليا ويالتالي التدخل في صلاحيات السلطة القضائية وهو ما يعتبر مس خطير في مبدأ فصل السلطات، إذ أن السلطة التنفيذية، هنا (الحكومة) تعمل على تحييد السلطة القضائية وسلبها من أدواتها وشل عملها بوضعها أمام نصوص قانونية لا تترك ثغرة تنفذ منها المحكمة، أو تفسرها بما يتلاءم وحقوق الإنسان.
إذا وفي هذا السياق أيضا، وإن كان على نطاق أوسع، يدخل القانون الأخير الذي أقرته الكنيست ويمنع الفلسطينيين من مقاضاة دولة إسرائيل ومطالبتها بالتعويض ("قانون الانتفاضة")؟
هنا أيضا نحن أمام تدهور خطير في مكانة القانون الدولي وحقوق الإنسان من وجهة النظر الإسرائيلية، فلغاية سن هذا القانون كانت السلطات الإسرائيلية، تطبق مبدأ "العمليات القتالية" لحماية جنودها من المسؤولية القضائية والجنائية، تحت الادعاء بأن الجندي قام بفعلته في إطار أداء عمله كجندي خلال عملية حربية أو قتالية، مع العلم أن غالبية الممارسات للجنود والجرائم ارتكبت خلال نشاطات ومظاهرات احتجاج وليس خلال عمليات حربية، والقانون الجديد غير شرعي لا يعترف حتى بالقليل الذي كان سائدا في الماضي، حيث كانت إسرائيل توافق في حالات نادرة دفع التعويضات للضحايا. والمحاولة الحالية تهدف لإخراج كل نشاطات وممارسات الجنود من دائرة الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وأيضا إعفاء الدولة نفسها من المسؤولية عبر تشريع قانون يجعل مقاضاة إسرائيل وجنودها على ممارساتهم غير قانوني. وبالتالي فإن الوزير والكنيست الإسرائيلي عبر سن هذا القانون لا تترك مجالا للمحكمة بالتدخل وفحص الشكوى، بل بإخراج المحكمة من دائرة عملها وتحييدها وهذا هو مس خطير بأحد أهم عناصر النظام الديموقراطي، وهو مبدأ الفصل بين السلطات، مما يتيح المجال أمام الجيش وإسرائيل للتصرف بحرية مطلقة.
* عن موقع ايلاف
السبت 12/7/2008