*في السنة الماضية انضم جسم إسرائيلي يدعى ACROLT إلى ILTA العالمي، ولكن هذا الانضمام لا يعني بالضرورة ايجاد حل لهذه الإشكالية، لا سيما أن إسرائيل صادقت على الكثير من المواثيق الدولية وانضمت الى الكثير من المنظومات ذات الآراء الكونية والليبرالية، ولكنها لم تطبق هذه القرارات على أرض الواقع، والمطلوب هو انتهاج سياسة بديلة ناتجة عن عقلية بديلة، وحل الإشكال وليس إدارته وحسب*
*أما قوة أيديولوجية الامتحان فلها دور مؤثر جدا في تحديد مصير المتقدم، فإن السلطة هي التي تحدد أي نوع معرفة هو الصحيح والمقبول، وبذلك تستطيع تهميش لأنواع معرفة كثيرة*
يتقدّم طلابنا في المرحلة الثانوية، في كل سنة، إلى امتحان البجروت الخاص باللغة الانجليزية وإلى امتحان البسيخومتري الذي يشمل أيضا امتحان باللغة الانجليزية، والبعض ممن يتوجهون للدراسة خارج البلاد يضطر لمواجهة امتحانات على غرار GMAT, MAT, GRI, TOEFL، في كل الأحوال يواجه طلابنا صعوبة بالغة في امتحانات اللغة الانجليزية في كل مراحل التعليم العالي للقب الأول وكذلك للمتقدمين لدراسة اللقب الثاني واللقب الثالث بحيث يواجه طلابنا صعوبة تصنيف اللغة الانجليزية، إضافة لمشاكل الحياة الجامعية التي يواجهها الطالب العربي، والسؤال الذي سأسهب بطرحه في سياق هذا المقال هو: ما هي امتحانات التصنيف للغة الانجليزية؟ وما هو هدفها؟
إن أغلب المتقدمين لهذه الامتحانات لا يبحثون في أبعادها، لا سيما أن المتقدم تشغله مسألة اجتياز الامتحان الصعب، ولا ينظر الى ما يحمله الامتحان من مضمون، "نمطيّات" وأبعاد التي قد لا تمتّ بِصِلة له في بعض الأحيان.
إن امتحانات التصنيف للغة الانجليزية، المحلية والدولية، قد تُحدّد مصير الانسان ومساره الأكاديمي بشكل قاطع، وقد تحدد مصير مجموعات كاملة (مجموعات سكنية أو حتى أقلية قومية) ولكنها أكثر من ذلك، فهي أهم مفاتيح التقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي. والكثير من المتقدمين لهذه الامتحانات لا يشُكّون بنوايا واضعيها، لأن الهدف المعلن منها هو التقييم والتصنيف الموضوعي، وعندما يحصل الطالب العربي على نتيجة سيئة، فعادة ما يُعزي ذلك إلى تقاعسه الشخصي أو لأسباب تعليمية داخلية جماعية، ولدينا الكثير من القصورات الذاتية، ولكن الواقع يثبت أن تحصيلَ مجتمع كامل متدنيٌ، فلا بد أن ثمة إشكالية تتجاوز وضع مدارسنا وتعليمنا وتصل إلى التعامل "المؤسساتي" معنا، وإلى شكل الديناميكية بين طلابنا وامتحانات الانجليزي المختلفة.
ليس مستهجنًا، أن امتحانات الانجليزي تتجاوز بُعديْ التصنيف والتقييم، فلها بعدٌ تمثيليّ أيضا، فإما أن يمثّل الامتحان قوة الدولة أو الخطاب (Discourse) أو الأيديولوجية (يُنظر إلى (1995) Tofelson) فقوّة الدولة تمثل بيروقراطية الامتحان، وقوة الخطاب تتمثَّل بفرض معادلة غير متكافئة بين طرفين غير متكافئين من ناحية القوى والتأثير، وقوة الأيديولوجية تتمثل في تحديد ماهية "المعرفة" وأي نوع معرفة يعتبر صحيحا وأيه خاطئا؟!
إن قوّة الدولة البيروقراطيّة تكمن بقدرتها على فرض قيود حول نشر علامة المتقدّم للامتحان أو تأخيرها أو حتى منعه من التقدّم للامتحانات تحت حجج تقنية، أو إذا ما "شكّت" السُّلطة بنزاهة أداء المتقدّم للامتحان.
من خلال تجربتي، كمدرِّسة للصفوف الثانوية في موضوع اللغة الإنجليزية، فقد تم إلغاء أو، أحيانا، التشكيك ببعض الامتحانات ظُلما، لأسباب تعود الى عدم إدراك الخلفية الحضارية والمعرفية - الفكرية للطالب العربي بشكل صحيح، وإذا أراد الطالب الاستئناف أو إجراء تغييرات عينيّة تحُول البيروقراطية الطويلة دون ذلك وتفرض المؤسسة قوتها، وهذا يؤثّر سلبا على الطالب.
إن القوة الخطابية للامتحان تكمن في كونه مفروضا على الطالب، وأن الطالب والسلطة (وهذه الأخيرة هي واضعة الامتحان) غير متساوييْن من ناحية الخطاب والقدرة على التأثير، فما هي فرص المتقدم للامتحان في تحدّيه أو التأثير على فحواه؟ وما هي البدائل المطروحة لديه؟ وهل يعي الطالب حقوقه؟
أما قوة أيديولوجية الامتحان فلها دور مؤثر جدا في تحديد مصير المتقدم، فإن السلطة هي التي تحدد أي نوع معرفة هو الصحيح والمقبول، وبذلك تستطيع تهميش أنواع معرفة كثيرة، وكذلك إعطاء شرعية لمعرفة عينيّة حسب مفاهيمها السياسية والاجتماعية، والسؤال هنا: من بإمكانه أن يحدّد، يقيّد أو يجزّئ المعرفة ويعطي شرعيّة لتلك ويحرّم الأخرى، خاصة في عصر العولمة و"ما بعد الحداثة" وتعدد أشكال المعرفة؟! وحتى عندما تكون السلطة "حياديّة" بوضع المضامين بحيث "لا تميّز" بين مجموعة وأخرى وتعطي "تمثيلا عادلا" لجميع المجموعات القومية أو الاجتماعية، فهل تكون حياديّةً حقا؟! وموضوعيَّة تماما؟
في قراءة سريعة لأقسام امتحانات اللغة الانجليزيّة والبسيخومتري كقطعة "فهم المقروء" ،على سبيل المثال، فقد تبدو حيادية وعامّة، ولكن نظرة مهنية تسبر أغوارها تُبدي لك مدى هشاشة هذه "الحيادية"، فالطالب العربي أو إبن لأُسرة تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة، عربي أو يهودي سواء بسواء، لا يملكان ((cultural capital (رأس المال الحضاري - الثقافي) التي يملك ناصيتها طالب من أسرة ذات وضع اجتماعي- اقتصادي أفضل، وهذا الأمر يصعّب ويؤثِّر على كل طلابنا حسب ما أثبتت الأبحاث والمعطيات.
*أسئلة هامة*
لقد آن الأوان لبحث امتحانات اللغة الانجليزية التي على الطالب العربي اجتيازها، والتي يحصل بها، غالبا، على نتائج متدنيّة، من يقف وراء هذه الامتحانات؟ هل هناك استغلال للقوة التي بيد السُّلطة؟ وكيف يتم استغلال هذه القوة وكيفية استعملها؟ إلى أي مدى تتدخل السلطة في هذه الامتحانات وإلى أي اتجاه؟ إلى أي مدى تعيق هذه الامتحانات التقدّم العلمي والأكاديمي لطلابنا؟ ما هي أجندة هذه الامتحانات؟ من المستفيد منها؟ ما هي الأيديلوجية والفكر اللذان يقفان خلف هذه الامتحانات ويُسَوَّقان من خلالها؟ ما هي النوايا المعلنة والخفية لهذه الامتحانات؟ هل يمكن تحدي نتائج هذه الامتحانات وكيف؟
ليس الامتحان وحده يجب أن يكون تحت مجهرنا وحسب، وإنما بيئة الامتحان أيضا، وثمّة حاجة لفحص مدى ديمقراطية هذه البيئة في ظل واقعنا متعدّد القوميات، اللغات، الحضارات والثقافات، إضافة الى الفروقات الطبقية والاجتماعية التي لها دورها في ظل الهيمنة الغربية عامة وهيمنة المؤسسة الحاكمة داخل إسرائيل.
*وجود جسم للمراقبة*
في العالم الغربي،عل خلاف الوضع في البلاد، تقوم عدة أجسام مهنية بمراقبة امتحانات الدولة، من حيث جودتها الداخلية والتزامها بمعايير ديمقراطية وعدالة اجتماعية، أذكر من هذه الأجسام ALTE في أوروبا، وJCTP في الولايات المتحدة وجسم عالمي هو ILTA. في العام الماضي فقط، انضم جسم إسرائيلي يدعى ACROLT إلى ILTA العالمي، ولكن هذا الانضمام لا يعني بالضرورة إيجاد حل لإشكالية مهنية الامتحانات، لا سيما أن إسرائيل صادقت على الكثير من المواثيق الدولية وانضمت الى الكثير من المنظومات ذات الآراء الكونية والليبرالية، ولكنها لم تطبّق هذه القرارات على أرض الواقع، والمطلوب هو انتهاج سياسة بديلة تنبع من عقلية بديلة، وحل الإشكال وليس إدارته وحسب.
إن لامتحانات اللغة الانجليزية قوّة كبيرة، وهي بمضمونها الحالي تتجاهل الخصوصية القومية والثقافية والحضارية للمواطنين العرب، وكذلك الطلاب اليهود الفقراء.
هناك حاجة ماسَّة لوجود جسم يراقب ويحاسب ويقيّم ديمقراطية وأخلاقية هذه الامتحانات في مضمونها وطرق استعمالها، وإلا فإن مجهودنا ومجهود طلابنا سيذهب سدى إذا لم يتّسم الامتحان نفسه وبيئته بالعدل الاجتماعي وباحترام وتقبّل الهويّة والخلفيَّة الثقافية لمجموعات مختلفة.
رنا زهر
السبت 12/7/2008