بعد مناقشات ومداولات استمرت ثلاثة ايام على شاطئ بحيرة في جزيرة تقع شمال اليابان انتهت اعمال مؤتمر قمة رؤساء دولة مجموعة الدول الثماني الصناعية الرأسمالية الكبرى. وكما توقعنا كانت نتائج هذه القمة مخيبة للآمال، اذ لم تطرح معالجات جذرية لمواجهة الاسباب الحقيقية للازمة العالمية الرأسمالية وخاصة للقضايا المحرقة الاساسية – ازمة الغذاء وارتفاع اسعار الاغذية وما يرافق ذلك من زيادة كبيرة في عدد الفقراء ومظاهر المجاعة، وارتفاع اسعار النفط والازمة البيئية وخاصة الاحتباس الحراري. لقد تمخض عن المؤتمر قطع وعود وتعهدات بعضها غير ملزم للدول الصناعية وبعضها مشروط باملاءات. فقد تقرر العمل على استقرار اسعار النفط والاغذية ولكن كيف يمكن انجاز ذلك؟ لقد وضعوا المسؤولية على البلدان المنتجة والمصدرة للنفط مطالبينها بزيادة ورفع سقف الانتاج واقامة "منتدى لمنتجي ومستهلكي النفط"، ومساعدة البلدان النامية على تطوير الانتاج الزراعي وزيادة المعونات من الدول الصناعية لهذه البلدان لمواجهة ازمة الامن الغذائي والمجاعة!! ولكن في قمة اسكتلندا المجموعة دول الثماني تقرر دعم الدول النامية، خاصة الافريقية بمبلغ عشرة مليارات دولار ولمدة عشر سنوات. وهذا القرار الذي اقر في العام الفين وخمسة لم ينفذ منه اكثر من خمسة عشرة بالمئة؟ ثم كيف يمكن معالجة ارتفاع اسعار النفط والاغذية بشكل جذري ناجع اذا لم يجر اصلاح وتغيير آلية التعامل التبادل التي تعتمد الدولار الامريكي المقياس الاساسي في سوق تحديد اسعار الاغذية والنفط، فانخفاض سعر صرف الدولار احد الاسباب المركزية لارتفاع اسعار هذه المواد. كما انه بدون اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد مبني على قواعد المساواة والعدالة في التداول التجاري وتحديد الاسعار فان حيتان الدول الرأسمالية الصناعية ستواصل التعامل بالنهج الهمجي التمييزي القائم للعولمة الرأسمالية. حتى القرار الذي اتخذه المؤتمر المذكور بتخفيض انبعاث الغازات، خاصة ثاني اكسيد الكربون، بنسبة خمسين في المئة حتى العام الفين وخمسين، فانه (القرار) ارفق بشرط املائي من الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش ومن الوفد الامريكي في مؤتمر اليابان يؤكد ان المشاركة الامريكية في مواجهة ازمة الاحتباس الحراري مشروط بمدى مشاركة الصين والهند في هذا البرنامج، أي ان احتمالات التملص والتهرب الامريكي من المشاركة قائم.
احد قوانين الفيزياء يؤكد انه لكل فعل ينشأ رد فعل معاكس له"، والحقيقة هي ان فقراء العالم في البلدان النامية وفي مختلف البلدان الصناعية عالية التطور يعانون من مآسي الطابع الوحشي للعولمة الرأسمالية التي تقود رسنها مجموعة البلدان الثماني الصناعية الرأسمالية ومن نتائجها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكارثية. وقد اثبتت نتائج اجتماعات قمم هذه المجموعة المعقودة سنويا ان اهتمامها الاساسي والمركزي ينصب على خدمة مصالحها الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، ومحاولة التكيف مع معطيات الواقع المتغير بشكل يخدم مصالحها الطبقية الاسترايتجية، وان آخر ما يثير اهتمامها هو العمل لايجاد حلول جذرية تنقذ ضحاياها من مآسي التخلف والمجاعة والفقر. فلمواجهة وحوش العولمة من الذئاب المفترسة، بدأت تبرز وتنشط، خاصة بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، الاشكال المختلفة من الصراع الطبقي السياسي ضد العولمة مثل الحركة الاممية المناهضة للعولمة التي نشطت امنيا بمظاهرات صاخبة ضد العولمة ومؤتمر مجموعة الثماني في اليابان. لقد انخفضت انفاس الحركة العالمية المناهضة للعولمة بعد احداث سبتمبر الفين وواحد الارهابية ومحاولة ادارة بوش تسويق "الحرب الكونية ضد الارهاب" كبديل للمناهضة الاممية ضد الطابع الشرس والتميزي للعولمة الرأسمالية. ولكن سريعا ما تم اكتشاف حقيقة ان المدلول السياسي للحرب الكونية ضد الارهاب التي تنتهجها ادارة بوش والمحافظين الجدد في "البيت الابيض" لا يعني اكثر من عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم بهدف الهيمنة كونيا وفي المناطق الاستراتيجية الغنية بالنفط وبالموقع الجغرافي الاستراتيجي كالشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا. والاحتلال الامريكي لافغانستان والعراق يندرج عضويا في اطار الطابع البلطجي العربيد والعدواني للدولة الامبريالية الامريكية. ولهذا، ليس من وليد الصدفة استئناف ومواصلة نشاط القوى المناهضة للعولمة والذي يعكس حقيقة ما اكدناه ونؤكد دائما انه ما دام هنالك ظلم واستغلال وتمييز طبقي او أي شكل من اشكال التمييز التي تنشأ في رحم النظام الرأسمالي، فانه لا مفر من الصراع الطبقي ان كان على النطاق الوطني او العالمي، فالصراع الطبقي الدينامو المحرك في الساحة النضالية من اجل العدالة الاجتماعية على مختلف الصعد المحلية والعالمية، هذا ليس صدفة ايضا انه مع انتهاء قمة مجموعة الثماني في اليابان بدأ في عاصمة جمهورية مالي الافريقية مؤتمر المنظمات والحركات المناهضة للعولمة الرأسمالية والتي يشارك فيها ممثلون عن مختلف جمعيات المجتمع المدني غير الحكومية وممثلون عن احزاب سياسية ومنظمات اجتماعية وحركات بيئية.
ومن الظواهر البارزة في مواجهة الطابع الوحشي التمييزي للعولمة الرأسمالية بروز ظاهرة نشوء اشكال مختلفة من الاطر التكاملية على اساس جغرافي او قومي او اثني وذلك بهدف حماية مصالح بلدانها من انياب العولمة المفترسة. فمثل هذه الظواهر نجدها في اشكال مختلفة من التكامل الاقتصادي والسياسي في امريكا الجنوبية وفي جنوب شرق آسيا، ومن الاشكال الاسمية المخصية للتكامل في العالم العربي مثل "السوق العربية". وما اود التطرق اليه في سياق هذه المعالجة هو الشكل التكاملي لمجموعة الدول الاسلامية الثماني الكبار الذين اجتمعوا في يوم اختتام مؤتمر مجموعة الثماني في اليابان. لقد اجتمعوا في العاصمة الماليزية كوالالامبور. فبمبادرة من النظام التركي اقيم اطار مجموعة الدول الاسلامية الثماني في العام 1997 أي قبل احد عشر عاما، ويضم كل من تركيا وايران وباكستان وماليزيا واندونيسيا وافغانستان والسعودية ومصر. وكان الهدف المعلن هو برمجة التعاون والتنسيق الاستراتيجي فيما بينها بهدف اشغال دور مكانة محترمة على الخارطة الدولية من حيث التنمية الاقتصادية والمشاركة في صياغة القرار السياسي والتأثير السياسي على الحلبة الدولية!! ويعيش في بلدان هذه المجموعة اكثر من مليار انسان او 14% من العدد الاجمالي لسكان العالم. لكنهم، وكما يقول المثل "كثيرون وقليلو البركة" فحصتهم من الانتاج العالمي الاجمالي لا تتعدى الثلاثة والنصف في المئة!!، وهذه المعطية تعكس بشكل عام مدى التخلف الاقتصادي عن مركب الثورة العلمية التقنية الحديثة، مع تفاوت في مستوى التطور بين دولة ودولة. ورغم مرور احد عشر عاما على قيام هذا الشكل التكاملي الا ان خطى التكامل الاقتصادي فيما بينها ابطأ من خطى السلحفاة، فمعدل التداول التجاري فيما بينها لا يتجاوز الخمسة في المئة من مجمل تداول التجارة الخارجية لهذه البلدان. ما يعرقل تسريع خطى التكامل الاقتصادي بين بلدان هذه المجموعة هي العراقيل السياسية، تفاوت المواقف السياسية واختلاف جدول اولويات ومتطلبات التطور الاقتصادي في كل بلد وبلد. فإذا استثنينا ايران فان انظمة باقي بلدان المجموعة ابعد من ان تسجد في محراب مصالح شعوبها الاسلامية، بل هي بشكل او بآخر مدجنة في الحظيرة الامريكية وفي خدمة الاستراتيجية العدوانية الامريكية، فتركيا عضو في الحلف الاطلسي العدواني وفي ما يشبه التحالف العسكري مع اسرائيل العدوان، وافغانستان محتلة من امريكا وحلفائها وسبعين في المئة من سكانها يعانون من مآسي حياة تحت خط الفقر، والباكستان يرهقها الانفاق العسكري في ساحة المنافسة والنزاع مع الهند ومن افقر بلدان العالم، السعودية احد مخافر الامبريالية الامريكية الاساسيين في الشرق الاوسط وفي منطقة الخليج وذراع واشنطن في منظمة الدول المصدرة للنفط والاوبيك، ومصر تعاني من البطالة ومن الفقر ومن ارتفاع اسعار السلع الغذائية.
ان غالبية شعوب مجموعة الدول الاسلامية الثماني، خاصة ماليزيا واندونيسيا ومصر والباكستان وافغانستان تعاني من غياب الامن الغذائي ومن ارتفاع اسعار السلع الغذائية مما ادى الى زيادة الفقر وحتى مظاهر المجاعة في بعض هذه البلدان. فأنظمة هذه البلدان لم تخطط ولم تحرص على تطوير القطاع الزراعي وانتاج الاغذية، واعتمدت بالاساس على استيراد المواد والسلع الغذائية من الخارج، حتى القمح والذرة والطحين والزيت والسكر تستوردها من الخارج. فتحولت هذه البلدان بفعل طابع انظمتها الى سوق استهلاكية لاستيعاب السلع والمواد الغذائية الاجنبية قد ضاعف من ازمة الفقر والمجاعة في عدد من هذه البلدان. اما الدول المصدرة للنفط مثل السعودية وايران فقد استغلت عائدات النفط والغاز الهائلة لتحويل السعودية الى سوق استهلاكية للبضائع والاغذية والاسلحة الاجنبية على حساب تطوير اقتصاد صناعي – زراعي متعدد الجوانب والمجالات، اما ايران فقد استفادت من العائدات لتطوير قدراتها العسكرية وتعزيز وزيادة نفوذها في منطقة الخليج وغيرها. اهتمت ايران بتصدير البترول ولم تهتم بما فيه الكفاية بتطوير الزراعة والصناعة المدنية.
اما مجموعة الدول الاسلامية الثماني لا تريد انظمتها ادراك حقيقة ان تطوير بلدانها ومواجهة ازمات الامن الغذائي وازمة الطاقة في عدد منها يتطلب اولا وقبل كل شيء قطع علاقة التبعية للامبريالية، فصراعها لتحسين اوضاع شعوبها هو صراع طبقي – سياسي واقتصادي – مع حيتان العولمة الرأسمالية.
ومن هذا المنظور فاننا نشك في مدى نجاح البرنامج الذي طرحته مجموعة الدول الاسلامية الثماني في العاصمة الماليزية. فقد طرحوا برنامجا عشريا، لعشر سنوات، من اهم نقاطه وضع عملية التكامل الاقتصادي بين بلدان المجموعة بزيادة نسبة التبادل التجاري فيما بينها ورفعها من خمسة في المئة الى عشرين في المئة خلال عشر سنوات. التعاون لايجاد بديل للطاقة لمواجهة ازمة الطاقة وارتفاع اسعارها والجوع الى الطاقة، في البلدان التي تفتقر اراضيها الى البترول. تطوير القطاع الزراعي وانتاج الاغذية وزراعة الحبوب والذرة. الضغط على الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية للكف عن الوقود الحيوي الذي يساهم في غلاء اسعار الاغذية وزيادة عدد الفقراء والجياع.
وما نود تأكيده في نهاية المطاف ان المحك الاساسي لنجاح أي شكل تكاملي اقتصادي بين البلدان لمواجهة ازمة الغذاء والطاقة والاحتباس الحراري لمواجهة التخلف والفقر والمجاعة، المحك الاساسي هو مدى مناهضة هذا الشكل التكاملي او ذاك لطابع العولمة الرأسمالية الوحشي والتمييزي.
د. احمد سعد
السبت 12/7/2008