تشاء الأقدار أن يرحل نجيب نصار عن هذا العالم في عام النكبة، وهو الذي نبّه الى وقوعها قبل أن تقع، ولقد رأيت من المناسب أن أورد هنا بعض المعلومات عن نجيب نصار، وقد مر على وفاته ستون عاما حيث تصادف أيضا الذكرى الستون للنكبة، بعضها مستقاة من الدراسة القيمة التي أجراها المرحوم الاستاذ وليد خليف عام (1990) وبعضها مما سمعته من والدي، الذي كثيرا ما كان يتحدث عنه باعجاب شديد، معتبرا اياه أحد المفكرين العرب الآوائل الذين نبهوا الى الخطر الصهيوني الداهم على فلسطين حيث كان له الفضل الأول في دق ناقوس هذا الخطر... أعود وأضعها مجددا بين يدي القارئ الكريم نظرا لما فيها من الفائدة علّ الأجيال القادمة تتعظ وتعتبر مما جرى وقديما قيل: "وذكر ان نفعت الذكرى"!!...
كان والدي يكن له الاحترام والتقدير ويعتبره من أتباع المدرسة القومية العربية التي كان يقف على رأسها طيب الذكر المطران حجار، مطران العرب، وخليل بيدس (صاحب النفائس العصرية) وجميل البحري (صاحب مجلة "الزهرة" التي نشرت ما يزيد على الستين رواية اجتماعية وأخلاقية ووطنية) وغيرهم كثيرون، مما حدا بالكاتب اليهودي موشيه برلمان أن يعتبر في احدى مقالاته الحاقدة "المثقفون المسيحيون أكبر أعداء اليهودية في صفوف العرب"!!... وحذا حذوه فيما بعد في تحامله على "الشباب المسيحي في حيفا" (كما أسماهم!!) الكاتب يعقوب يهشواع الذي حاول في كتابه "تاريخ الصحافة العربية في فلسطين" (1974) أن يشوه نضال هذا الصحافي الكبير وأن يشكك في مسيرته وبالتالي المس به متهما اياه زورا وبهتانا بأنه "باع أو سمسر لعقد صفقات بيع أراض لليهود" وأذكر أن والدي تصدى له وتحداه في احدى مقالاته عندما قرأ كتابه هذا!!...
كان من آوائل الذين حاولوا لا بل استماتوا في شحذ الهمم وتعميق الوعي القومي العربي الفلسطيني والدعوة الى التنظيم لاستدراء الخطر الصهيوني على فلسطين قبل وقوعه واستفحاله ولكن هيهات، فلم تلق هذه الصرخات، مع الأسف الشديد، اهتماما كافيا لتلافي هذا الخطر بينما استمرت الحركة الصهيونية ماضية في تنفيذ مخططها العملي كالنملة الدؤوب...
ولد نجيب نصار عام 1873 في بلدة عين عنوب اللبنانية (قضاء عاليه) وتوفي بتاريخ 3 آذار سنة 1948 ودفن في الناصرة... تزوج في البداية فتاة من الشويفات، أنجبت له ثلاثة بنين وابنة (تزوجت في الناصرة) وانفصل عن زوجته الأولى بعد سنوات من الخلاف التقى بعدها بالسيدة ساذج ابنة الشيخ بديع الله بهائي من عكا وكانت سيدة مثقفة وصاحبة معرفة واطلاع واسع، سارت مع زوجها يدا بيد وساعدته على تحرير صحيفته حتى يومها الأخير، وعملت سكرتيرة للاتحاد النسائي العربي وقد اعتقلت ابان الحرب العالمية الثانية لتصبح أول سجينة سياسية في العالم العربي!! وقد أنجبت له ولدا أسماه فاروق، امتهن الصحافة كأبيه...
كانت هجرة اليهود المتدفقة الى فلسطين وضبابية الموقف العربي قد دفعتاه الى تأسيس جريدة "الكرمل" في الاسبوع الأخير من عام 1908 التي انطلقت من حيفا (بعد انطلاق الدستور العثماني) وتعتبر من أقدم الصحف الفلسطينية... كان أول من نبه الى الخطر الصهيوني و"تنبأ" بمغبة المصير الذي سيلاقيه العرب جراء هجرة اليهود المتزايدة الى فلسطين، والى نشاط الحركة الصهيونية العالمية التي كانت تخطط لقيام دولة اسرائيل منذ ذلك الوقت، الأمر الذي أثار غضب الزعماء اليهود وحفيظتهم ولهذا توجه الحاخام حاييم ناحوم الى وزير الداخلية التركي متهما نصّار بالتحريض على اليهود والتشهير بهم... ورفع ضده دعوة قضائية ولكن المحكمة برأته ومع ذلك استمر في حملته ضد الصهيونية وضد القادة ورجال السلطة العثمايين والحكام المحليين مما أثار هذه المرة غضب الحكام الأتراك فصدر الأمر باعتقاله عام 1915 لكنه تمكن من الهرب بأعجوبة وبقي مشردا لمدة عامين عاش أثناءها مختبئا في الناصرة لدى أصدقائه (سري الكيلاني وكامل قعوار وبطرس طنوس وعيسى الدويري وتوفيق الفاهوم وفضل الفاهوم) ثم هرب منها والتجأ الى الشيخ عبدالله الفاهوم في قرية "اندور" في مرج ابن عامر فآواه وأكرم مثواه وخاطر بنفسه هو ونجله عبد المجيد الفاهوم لانقاذه من يد الأتراك عندما داهموا بيته!!... وقضى بقية المدة متخفيا تحت اسم "مفلح الغساني" لدى قبيلة من البدو الرحل (عرب الشحيمات) الى أن سلم نفسه للسلطة وسجن في "السجن العرفي" في دمشق وقد أرسلت العرائض الموقعة من وجهاء البلاد ومحرري الصحف (باسيلا الجدع، وديع صنبر، حسن شكري، وجميل رمضان، عبدالله مخلص (الذي أشغل فيما بعد ادارة المجمع العلمي العربي في دمشق)، تشرح حقيقة موقفه ووجهة نظره وتطالب باطلاق سراحه وبعد أشهر من العذاب أفرج عنه "أنور باشا" بعد اقتناع بانه لا يشكل خطرا على الدولة التركية!!...
وبالاضافة الى عدم صدور جريدته في التاريخ والموعد المحدد الا أنها أخذت تحتجب عن الصدور من حين الى آخر حيث كان يتعذر عليها حل بعض مصاعبها المالية نتيجة المماطلة في دفع الاشتراكات ثم تعاود الصدور كلما انفرجت الأزمة... ويقول نصار والمرارة والأسى يملآن قلبه: "لاقيت مقاومات شديدة من كثير ممن توقعت أن يكونوا أعظم الأنصار ولكنهم حاولوا خنق صوت "الكرمل" واطفاء نورها"... مما جعله يتسآل "هل كنت أخدع امتي؟! وأدعوها للتفرقة والخصومات والمشاحنات والانقسامات والوشايات والجاسوسية واللصوصية وبيع أراضيها حتى انصرفت أمتي الى الفساد والدس والتجسس بعضها على بعض والى المنازعات حتى ما عاد العربي يرى غير العربي عدوا له"!!..
ومع ذلك توقفت عن الصدور خمس سنين بكاملها لعدة أسباب منها الصعوبات المالية ومطاردة وملاحقة صاحبها ونشوب الحرب العالمية الاولى فاغتنم هذه الفرصة ليقرأ أثناءها الكثير من الصحف العربية والأجنبية مما أهّله أن يكون ملما بمجريات الامور... وبعد محاولات غير موفقة لاصدار "الكرمل" ثانية أثناء مكوثه في القاهرة أخذ ينشر مقالات متناثرة في جريدة "المقطم" نتجت عنها "حرب" صحفية بينه وبين الأديب (اللبناني الأصل) أنطوان الجميل الذي ادعى أنه من أجل بقاء العالم العربي كاملا وغير مجزء يجب اعطاء فلسطين لليهود "افتداء" للعرب!!... وانتهت هذه "الحرب" عندما تراجع الجميل عن موقفه هذا واعترف بخطئه وكتب في مقال نشره في جريدة "الأهرام" بعنوان "معك حق كل الحق" ولكنه أردف قائلا: "ولكنك تخدم أمة لو علمت أن الشتيمة تنفعك لضنت بها عليك"!!...
واستمرت "الكرمل" في حملتها الشعواء على بيع الأراضي وعلى "البيّاعين"!! وفضح ما يدور من صفقات ونشرها على صفحاتها دون خوف أو وجل، خاصة اقدام السلطة (التركية) على بيع الأراضي للمنظمات الصهيونية مثل الصندوق القومي (الكيرن كاييمت) والصندوق التأسيسي (كيرن هايسود) والبيكا، كذلك محاولة السلطة ونجاحها بيع عشرات الدونمات من أراضي بيسان وهذا ما حدا به لشراء مزرعة في بيسان "حتى لا تباع الأرض وحتى لا تبنى عليها مستوطنة وحتى لا نبقى بلا أرض وبلا وطن أيضا" رافعا بهذا شعار "من لا أرض له لا وطن له"!!...
لقد أضاء نجيب نصار شعلة المناهضة للصهيونية وأدت الاحتجاجات اليهودية المكثفة ضده الى تعطيل "الكرمل" عشرات المرات عبر مسيرتها الصحفية الطويلة التي دامت ثلاثة وثلاثين عاما (منذ سنة 1908 وحتى توقفت عن الصدور بتاريخ 2/8/1941)... وكانت "الكرمل" قد كرست قدرا كبيرا من صفحاتها لنشر أنباء النشاطات الصهيونية في شراء الأراضي تشاركها في ذلك صحف عدة منها مجلة "الأصمعي" (حنا العيسى) و مجلة "الدستور" (خليل السكاكيني) وصحف "القدس" (جورج حنانيا) و"الأخبار" (بندلي حنا عرابي) و"فلسطين" (عيسى العيسى) و"مرآة الشرق" (بولص شحادة) و "الحرية" (الشيخ توفيق السمهوري) وصحف أخرى في العالم العربي والمهجر وقد أكثرت هذه الصحف من كتابة المقالات المناهضة للصهيونية...
كان الملاكون العرب يوقعون مع المشترين اليهود عقود بيع تتضمن بندا ينص على كون الأراضي تباع خالية من السكان تمشيا مع سياسة "الأرض الخالية"... وهكذا كان المشتري اليهودي يقوم بمساعدة الشرطة البريطانية بطرد السكان المحليين، أولئك الفلاحين المقيمين في أراضيهم منذ قرون، والذين تحولوا بفعل صفقات البيع الى "محتلي بيوت" غير شرعيين!!...
وازداد طرد الفلاحين الفلسطينيين بنسبة كبيرة في أوائل العشرينيات وبشكل جماعي ومنظم، فلقد تعرض سكان 22 قرية (أي ما مجموعه 1746 أسرة) للطرد من مرج ابن عامر وحين رفض البعض من بين 1500 عربي المطرودين من "وادي الحوارث" في سنة 1922 الاستجابة الى أوامر التخلية والخروج، سقطوا صرعى برصاص جنود الاحتلال البريطاني!!... وكانت العائلات اللبنانية (سرسق وتويني وخوري) من قبلها قد باعت (عام 1911) أراضي القرى التالية: جيدا وتل الشمام والياجور وكفرتا وطبعون والشيخ بريك والفولة والعفولة وجباتا وخنيفس وتل العدس!!...
وقد أتاحت له فترة عمله في طبريا والقدس الاختلاط المباشر بالمهاجرين الجدد وكانت معرفته باللغة الانكليزية واجادته للغة العبرية من عوامل معرفته بالحركة الصهيونية مما حدا به الى نشر كتابه "الصهيونية" في تموز 1911 وهو أول من نشر كتابا عن الصهيونية مترجما ومقتبسا مما نشرته الصحف اليهودية في ذلك الوقت...
وقد عقد مقارنة، مثيرة للتأمل والتفكير، بين ما يصنعه اليهود وما نصنعه نحن فقال:
1. جلبوا الى البلاد نحو ثمانين ألف مهاجر من بلدان اوروبا المختلفة واضطررنا أن نوسع لهم مكانا!!..
2. اشتروا من كبار الملاكين السوريين واللبنانيين نحو مليون ومئتي الف دونم جديد من أخصب أراضي فلسطين وهذه خسرناها نحن وربحها خصومنا الذين ينازعوننا البقاء في ديارنا!!...
3. أنشأوا عدة معامل وصاروا يوزعون مصنوعاتها علينا وعلى اخواننا العرب في سوريا ولبنان والعراق وشرق الاردن ويستردون بواستطها أضعاف ما دفعوه أثمانا للأراضي!!...
4. استولوا على القسم الأوفر من تجارة البلاد!!...
5. بنوا عشرات المستعمرات الجديدة!!...
وماذا صنعنا نحن:
1.عقدنا سبع مؤتمرات!!...
2. أرسلنا ثلاثة وفود الى انجلترا وآخر الى الحجاز وآخر الى العراق!!...
3. رفعنا آلاف الاحتجاجات!!...
4. أقمنا عشرات بل مئات من حفلات التكريم والتأبين!!...
5. بنى المجلس اوتيلا كبيرا أجرّه لليهود ليزاحم اوتيلات الوطنيين الصغيرة وقد كان الأجدر به شراء قرية او قريتين أو ثلاثة بثمنه!!...
وقد قام بفضح حكومة شرق الأردن التي منحت المستثمر اليهودي "روتمبرغ" ستة آلاف دونم!! من أراضي "الباكورة" ومن أحسن الأراضي الزراعية بين نهري الاردن واليرموك لاقامة مشروع الكهرباء القطري لانارة فلسطين وتسآل الناس عن حاجة "روتمبرغ" الى هذه المساحة الشاسعة من الأراضي الواقعة عند جسر المجامع ومنحه حق التصرف بمياه الأنهر ليطوق البلاد بسلاسل (مشاريع) اقتصادية وضعها بدوره تحت تصرف الاستيطان اليهودي ليصبح مشروع "روتمبرغ" الجسر الاقتصادي المتين الذي ستعبر (لا بل عبرت!!) عليه الصهيونية الى فلسطين وشرق الأردن بينما منعت "الكرمل" نتيجة ذلك من دخول شرق الأردن!!...
طاف وتجول في أنحاء فلسطين، وقام بجولته الأولى عام 1922 مستنهضا الهمم، يحث العرب على غرس الأشجار المثمرة وعلى الزراعة الجافة (البعلية)، لقلة الأمطار في البلاد، كزراعة البندورة البعلية في جهات الناصرة والسهول بالقمح والخليل بالعنب والناصرة بالمشمش وغور الاردن وغزة بالشعير والنخيل والرامة وكفركنا والمغار بالزيتون وشفاعمرو بالسمسم والبطيخ ووادي عارة بأشجار اللوز...
وقد قام في عام 1925 بجولة ثانية في أرجاء فلسطين زار خلالها العديد من المدن والقرى العربية، كان لحيفا حصة الأسد فيها حيث أسهب في وصف حالتها وأفرد لنشرها، تحت عنوان "رسائل صاحب الكرمل" ستة أعداد، ثم زار طولكرم ونابلس وجنين والناصرة وطبريا وصفد وشفاعمرو والقرى المحيطة بهذه المدن وقابل العديد من سكانها والمسؤولين فيها ووصف لنا أحوالها وعدد سكانها ومساحة أراضيها ومحاصيلها الزراعية والمدارس وعدد الطلاب فيها والحالة الاقتصادية ومداخيلها وفي معظم الأحيان أبدى ملاحظاته حول سبل تحسين وتحصين اقتصادياتها، نشر فحواها على شكل رسائل في جريدة الكرمل، يمكن أن تعتبر سجلا هاما عن تاريخ البلاد في تلك الفترة...
وفي رده على أحد الأجانب الذي قال له: "لو أن هذه الأراضي كانت بادارة دولة أجنبية لكانت موردا كبيرا للثروة ومظاهر العمران" أجاب قائلا: "نتمنى أن نبقى نحن ودولتنا العثمانية، فاذا جاءت دولة أجنبية وجاء معها "المستعمرون" لاستولوا على أراضينا قبل أن نعرف قيمتها ونصير لهم عبيدا!!... أما مع الدولة العثمانية فاننا نتقدم واياها ببطء ونحتفظ بأراضينا واذا لم نبلغ من الرقي والعمران الغاية المطلوبة فأولادنا يبلغونها وينعمون بميراث آبائهم وأجدادهم"!!...
وأثناء اقامته في طبريا تعرف على الشيخين محمود وطاهر الطبري وتوطدت بينهم صداقة قوية... ولقد كتب الشيخ طاهر الطبري في مذكراته "الجنة وجهنم في المنام" أن الكرمل كرست جل وقتها لتحذير العرب من عاقبة دخول المهاجرين اليهود الى البلاد حيث كانت تباع لهم الأراضي بأرخص الاثمان (بربع جنيه أو ثلاثة أرباع الجنيه للدونم الواحد!!) بينما تتكدس خزائن بعض الأثرياء العرب بآلاف الجنيهات فلماذا لم يشتر هؤلاء الأرض بدلا من اليهود (وقد كانت تباع بأبخس الأثمان)؟!... وان لم نجد نحن حتى الآن جوابا شافيا على هذا السؤال الوجيه فهل تعلمنا من أخطاء الماضي وتنبهنا لأخطار المستقبل وقد "نشرها" نجيب نصار سفرا مفتوحا أمام أعيننا وقبل أن تقع بكثير!!... هذا وكان في مرحلة من مراحل نضاله الطويل والمرير قد نادى بتأسيس حزب عربي قومي!! ولكن فكرته هذه لم تلق نجاحا يذكر...
ومن جملة ما رواه والدي عن صديقه نجيب نصار، وقد جاء لزيارته ذات يوم واجتمعا على مأدبة غذاء، هذه الحادثة الطريفة التي سمعها منه مباشرة وقد كان المرحوم نجيب نصار في آواخر أيامه يسكن في بلدة "حواسة" أحد أحياء الفقر القريبة من بلد الشيخ التي تقع في ضواحي حيفا ثم انتقل بعدها الى بيسان وتوفي فيها...
كان الفقر قد أخذ منه كل مأخذ بعد أن أضطر لاغلاق جريدته، بعد طول كساد، حتى كان بالكاد يجد ما يسد به الرمق أو ما يكسو به جسده وقد تقدمت به السن ولم يعد يحسن عملا فكانت زوجته الوفية ورفيقة عمره السيدة ساذج تغسل له ثيابه في المساء ليجد ما يلبسه في الصباح وما أن استيقظت ذات يوم لتسرع في احضار ملابس زوجها حتى تجد أن الغسيل قد اختفى عن الحبال!!... فأخذت تتأفف وتتبرم من هذا الوضع المزري الذي وصل اليه حال زوجها فأجابها باسلوبه الهادف الرصين، يهدىء من روعها ويطيب خاطرها قائلا: "ايه يا ساذج!! من قال لك أن تتزوجي من صحفي صاحب مبدأ، لو تزوجت من صحفي مذبذب لكان بنى لك القصور والعلالي"!!... ما أشبه اليوم بالبارحة!!...
ومن الجدير بالذكر أيضا أن المؤسسات الصهيونية حاولت، عبثا، بكل الطرق والوسائل اسكات نجيب نصار واغلاق جريدته لاعتقادها بأنها تشكل خطرا على حركة الاستيطان اليهودي في فلسطين!!... ومن جملة ما رواه والدي، في هذا الصدد، عن أن هذا الصحافي الفلسطيني الطلائعي والفريد من نوعه في ذلك العصر كان قد رفض عرضا صهيونيا مغريا لشراء كل أعداد جريدته ان هو أوقف هجومه عليها (أي الصهيونية) أو حتى ان هو خفف من لهجته، في وقت كان فيه بحاجة لكل درهم وفي وقت كان يستميت فيه لبيع ولو بضعة اعداد قليلة من جريدته الغراء وفي وقت عز فيه القراء!!... ففضل العوز والفقر والحرمان والمعاناة على أن يقبل على تسخير قلمه وتغيير مبادئه التي كان يؤمن بها الى أن مات فقيرا معدما!!...
فارقد بقبرك بسلام يا نجيب نصار لأنك لم تعش لترى بعض الصحف العربية المأجورة في هذه الأيام ورائحة الدولار تفوح من كل صفحة من صفحاتها ومن كل كلمة من كلماتها!!...
الياس جبور جبور*
الخميس 10/7/2008