حدث يا رفيقة الروح اني قصدت الروض حانقا هاربا من القيض الذي قبض انفاس الخليقة وشد الوثاق حتى اوشكت الحياة ان تتوقف وان تكف الارض عن الدوران . كان حوض الزهر ذابلا اصفر جفت دموعه وكفت اغصانه الصغيرة التي تركتها البارحة يانعة عن الحياة بعد ان نشفت فيها عروق الحياة.
مالت غصون الاقحوان وزهراته عاتبت الشمس القاتلة وهي في الرمق الاخير تستعد للهروب من الدنيا . اما الريحان . .. فاغصانه بقيت غضة ريانة علت اطرافها على السور المحاذي وبحثت بلوعة عن نسمة بحرية اتية من خلف ذاك الاتون المشتعل في الافق الغربي البعيد.
نعم يا ريحانة قلبي يا ذاك العنفوان الذي بعث في دورة الحياة بعد ان كادت تتوقف وتكف الدماء عن الجريان في العروق .
كنت كمن اختال وضاع في وادي الموت ابحث عن رمز للحياة مثل ذاك الناسك المتعبد في ملكوت الله بحث عن سر الخليقة وعن خيط سحري وبصيص ايمان وشعاع امل يربطه من صيرورة الخالق وسيرورة الخلق .
انا يا ساكنة خلجات القلب ولمحات الفكر لاحقت ذاك الخيط وتلك الوشائج الحريرية التي ربطت روحينا ربما قبل زمن الخلق وربما مع انفاس السحر الاول التي هبت على ذاك العالم البدائي ولطفته وبعثت في كيانة الندى والرطوبة واحيته بماء الكوثر الهابطة من الجنة البكر .
ذكرتك وحبال الجوى تشد نياط القلب وتعصره وتبعث فيه نشوة معتقة اتية من رياحين واقحوان العالم كله . تجسدت امامي طيفا فيه شفافية السماء وبنية الارض الحبلى ابدا بجمال يولد ويفنى يعجز عن وصفه الا خالقه. كنت كانك الهة خلقت لتوها في صلصال مابين النهرين على اعتاب " اوروك القديمة " . وقفت مذهولا في ظل الصبار والواحة الشائكة السندسية وزهراته الفاقعة الاصفرار كشمس الصباح . كان شامخا ضحك من الزهر وتعالى على الزنابق وعشق الحر والقيظ وزهراته تلك رقصت على اراجيح الاشعة التي اخترقت المدى والمخلوقات وحولت الاخضر الى اصفر ووجه الحياة الى وجه الموت .
وخزتني شوكة الصبار مشاكسة بعد ان سحرتني زهراته الصفراء الجميلة ورغبت المداعبة واللمس كعادتي وارى الجمال متجسدا على اجمل صوره.. سحرني سر الاصفرار . لا اخاف عليك يا من تسكن في خفايا القلب وتمسك باناملها سبب الحياة وتبسط شالها الابيض فوقي كغيمة صيف بيضاء ناعمة كندف الثلج . كنت بردا وسلاما على قلبي وعلى حوض النعناع الذي ارتخى ومال وعلى الحساسين التي اختفت تحت كبوش الزنابق.
نعم يا رفيقة الامس واليوم والغد تهت في بحر اصفر سنوات وسنوات وكانت مناراتي زهرات صفراء جميلة محاطة بالاشواك كتلك التي قلعتها عربة الرغبة القاتلة وحب الاستطلاع وطفرة غريزية وراء طفرة تدفقت كالشلال
تذوقتها كلها ومصصت رحيقها وغرست فيها بذور الرغبة وتكسرت في بحورها صواري الشبق .
حافظت كل مرة على الصاري الاخير واطلقت شراعي من جديد للرحيل في بحر تلك الزهرات حتى عدى النهار وخفت حدة الشمس وانتكست سياطها الملتهبة.
رايتك وردة حمراء تختال في اكمة الورد من كل لون تبعث عطرها وجمالها علي وعلى الخلق من حولي وتتهادى فوق الورود الصفراء وتشراب حمرة بلون الدم لا احلى ولا اجمل . هي لون الحياة السارية في العروق ولون الحب ولون الشبق والشفق ولون الشمس الغاربة وتلك المشرقة ولون الخلق الاول والبركان الاول ولون سراج الالهة في كهوف النفس البعيدة .
قلت لك " اتغارين من الزهر وانت ملكة الزهر ؟؟ اتغارين من الاصفر الباهت وفي وجنتيك لون الحياة وعلى شفتيك تجمع عقيق العالم كله ؟؟ .
هن صفرة الموت وانت لون الحياة هن لون الخريف وانت لون البعث هن في شتات القلب وانت منه في الصميم هن خيوط واهية في الذكرى وانت ذكرى الحياة ما دامت تجري في العروق ..ومادمت انا قادرا على البحث عن الورد في بساتين الورد " .
قلت لي واجمة " انا اذن عابرة في طريق عابر ... ".
قلت لك " انت المحطة الاخيرة.. وانا اركب القطار الاخير " .
قلت لي " روضك تغمره الزهور من كل الالوان .. انا مثلهن زهرة عابرة وقبلة لا تتخطى الشفاه " .
قلت لك " انت زهرة حياتي وملح الارض ومنارة نفسي التائهة في الدروب ..وقد تعبت من السفر " .
قلت لي " دعك من هذا انت مسافر في بحر اصفر منذ عصور " .
قلت لك " بحثت عنك منذ بدء الرحلة .. منذ ظلام الرحم وحتى ظلام القبر .. رحلتي قربت من المصير " .
قلت لي وقد كدك الضنى وجرحك الهوى في كبريائك " اريد ان اقول لك كلمة غير قادرة على النطق بها بعد ان اصبحت في دوامة العشق كريشة في مهب الريح " .
قلت لك " كلمة واحدة قوليها .." حبيبي " كلمة صغيرة هي سبب الخلق وكل جمال الوجود ".
قلتها وانا اقول لك مع كل رفة جفن ... نعم حبيبك ولغيرك لن اكون .
نعم يا رشفة العمر سا شربك حتى الثمالة كل يوم وساكتب كلماتي هذه ما دامت في القلب قطرة دم واحدة ومادامت عند الحبارين نظفة حبر اخيرة ومادمت انت عروسا للورد في بستان الورد .
عنوان مراسيلي سيكون دائما .. الى قلب وردة.
(شفاعمرو)
د. فؤاد خطيب *
الأربعاء 9/7/2008