تستضيف جزيرة هواكيدو في شمال اليابان ومنذ ليلة امس الاثنين، المؤتمر السنوي الرابع والثلاثين لقادة مجموعة الثماني الكبار من حيتان الدول الرأسمالية الصناعية الاساسية – الولايات المتحدة الامريكية والمانيا وفرنسا وكندا وايطاليا وبريطانيا واليابان وروسيا. وعلى اجندة جدول اعمال هذا المؤتمر مناقشة مخاطر الازمة الاقتصادية والبيئية التي تهدد المجتمع البشري وتتمثل بالركود الاقتصادي والآثار السلبية لارتفاع اسعار النفط وانخفاض سعر صرف الدولار الامريكي على التنمية الاقتصادية والسوق المالية العالمية وارتفاع اسعار المواد الغذائية واثر الاحتباس الحراري السلبي على مختلف مجالات التطور وعلى مصير ومستقبل المجتمع البشري. ويدعي رؤساء دول مجموعة الثماني ان الهدف المركزي من مؤتمرهم هو مناقشة "انجع السبل" لمعالجة القضايا المطروحة والملتهبة!! هذا ما يصرحون به، اما في الواقع، وحسب رأينا، فانه لا امل في طرح حلول جذرية لمعالجة ازمة تتحمل هذه المجموعة المسؤولية الاساسية عن حدوثها وانفجارها بشكل مأساوي، وكل ما يمكن التوصل اليه في قمة هذه المجموعة هو طرح حلول جزئية تساعد انظمة هذه الدول على التكيف مع حلول علاجية لا تمس مصالحها الاستراتيجية في ظل العولمة وتحمّل ضحايا الازمة المسؤولية في تحمل اعباء دفع قسط كبير من ثمن المواجهة لتحقيق حدة الازمة الاقتصادية والغذائية في العالم الرأسمالي. ولعل خلفية واهداف قيام هذا المحور الامبريالي يشكل مجموعة تكتل قوى "سمك القرش: تعكس وتجسد الحقيقة عن مسؤولية هذا المحور في تعمق مختلف اشكال ازمة الرأسمالية.
* خلفية لا مفر من تأكيدها:
في العام الف وتسعمئة واربعة وسبعين، في ظل الحرب "الباردة" والمنافسة السياسية والاقتصادية والعسكرية بين اسرة الدول الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي التي تتعاون فيما بينها في اطار "مجلس التعاضد الاقتصادي – الكاميكون" وفي اطار "حلف وارسو" العسكري، وبروز طابع جديد للعلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين الدول الاشتراكية وعدد كبير من انظمة البلدان النامية وبين العالم الرأسمالي المحيط، وخاصة بلدان انظمة رأسمالية الدول الاحتكارية الصناعية، في ظل هذه المنافسة متعددة الجوانب اتجه منظرو واستراتيجيو وقادة الدول الصناعية الامبريالية الى توحيد الجهد الاستراتيجي، التعاون الاستراتيجي، بين انظمة الطغم المالية الحاكمة في الدول الرأسمالية الصناعية الرئيسية وذلك بهدف التنسيق الاستراتيجي فيما بينها لحماية مصالحها الامبريالية المعولمة ولمواجهة المنافسة مع اسرة الدول الاشتراكية واستغلال ومص دماء وخيرات بلدان العالم الثالث. ولهذا اقيم في العام اربعة وسبعين من القرن الماضي اطار "مجموعة السبعة الكبار" المؤلفة من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانية وفرنسا والمانيا الغربية وايطاليا واليابان وكندا، حيث يجتمع رؤساء هذه الدول سنويا في اجتماع قمة للتنسيق الاستراتيجي بهدف تخفيف حدة التناقضات بين محاور الامبريالية الثلاثة – الولايات المتحدة والسوق الاوروبية المشتركة واليابان، وتوجيه جهودهم المشتركة لمعالجة القضايا التكتيكية في محاصرة الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية ودفع عجلة الاستعمار الجديد في الدول النامية، كيفية استغلال "المساعدة" الامبريالية لهذه البلدان بهدف زيادة الاستثمارات لنهب ثروات وخيرات هذه البلدان وابعادها عن تعزيز روابط الصداقة والتعاون مع البلدان الاشتراكية. فاقامة اطار "السبعة الكبار" للتنسيق الاستراتيجي السياسي والاقتصادي جاء لاكمال وتعزيز حلقات التكامل الاستراتيجي الامبريالي مدعوما بجناحيه العسكري والمالي، مدعوما بالحلف العسكري العدواني – الحلف الاطلسي وبالاذرع المالية – صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث خصص للدولار الامريكي دور النقد العالمي كنائب للذهب في سوق التداول العالمي.
بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه اختل ميزان القوى والصراع العالميين، وانضمت روسيا الى مجموعة السبعة الكبار لتصبح مجموعة الدول الثماني وذلك بهدف المشاركة الاستراتيجية لضمان حصتها من الهيمنة دوليا في ظل الطابع الهمجي للعولمة الرأسمالية.
* عوامل تعميق الازمة:
ان زيادة حدة الفقر والمجاعة من الظواهر الصارخة والبارزة للازمة في ظل التقسيم العالمي الرأسمالي للعمل وهيمنة الطابع الوحشي للعولمة الرأسمالية. وان ارتفاع اسعار الغذاء العالمي كان عاملا هاما في زيادة الفقر وعدد الجياع في العالم. فحسب معطيات منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة "الفاو" ان عدد الجياع في العالم ازداد بنحو خمسين مليون انسان خلال عام الفين وسبعة وازداد بنحو مئة مليون انسان يعيشون تحت خط الفقر في نفس العام وذلك بسبب ارتفاع اسعار الاغذية والطاقة. ومن البديهيات المفروغ منها ان تشخيص المرض، عوامل الاصابة به، يساعد كثيرا على تحديد الدواء والعلاج الصحيح. وفي قمة رؤساء مجموعة الثماني في اليابان يحاول زعماء الامبريالية تبرئة ذمة، عدم التطرق الى مسؤولية الامبريالية في عهد الاستعمار والعولمة وحتى يومنا هذا عن كوارث الانسانية من فقر ومجاعة واحتباس حراري. فمن البديهيات في علم الاقتصاد ان زيادة الطلب على العرض في السوق يؤدي الى ارتفاع الاسعار. ولكن يبقى السؤال المركزي لماذا انخفض العرض للسلع الغذائية وللمنتوج الغذائي بشكل كبير ادى الى ارتفاع الاسعار خلال الفترة من الفين واثنين الى الفين وسبعة بمئة واربعين في المئة؟ ارباب مجموعة الثماني يعملون على التركيز على بعض عوامل الازمة الغذائية، والعمل على طمس حقيقة مسؤوليتها عن بعض هذا البعض من العوامل. فصحيح ان من ضمن عوامل ازمة الغذاء العالمي ارتفاع اسعار الاغذية، تجدر الاشارة الى الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وقحط ومحل والى تراجع في مجال التنمية الزراعية وظاهرة التصحر وعدم ايفاء الدول الرأسمالية المانحة بوعودها بتقديم المساعدة للدول النامية في مجال التنمية الزراعية، كل هذا صحيح، ولكن الى جانب ذلك توجد عوامل مأساوية مسؤولة عنها بالاساس السياسة الامبريالية المنتهجة في علاقتها مع الدول النامية. ومن اهم هذه العوامل تجدر الاشارة باختصار الى ما يلي.
* اولا: انتهاج سياسة اغلاق الحدود في وجه الواردات الزراعية والغذائية الوافدة من البلدان النامية الى الدول الرأسمالية الصناعية المتطورة او ما يسمى بسياسة "البروتكسيانيزم"، والتميز في وضع اسعار منخفضة على السلع الغذائية من الدول النامية.
* ثانيا: انخفاض سعر صرف الدولار، سعره التبادلي بالنسبة للعملات الاخرى، يؤثر سلبا بزيادة اسعار السلع الغذائية، خاصة وان سبعين في المئة من مجمل تداول السلع الغذائية يجري التعامل معها بمقياس الدولار الامريكي.
* ثالثا: ارتفاع سعر برميل النفط نسبة كبيرة، خاصة بسبب انخفاض سعر صرف الدولار، تؤثر سلبا وبصورة مؤلمة على مجال التنمية الاقتصادية وخاصة الزراعية في البلدان النامية المستوردة للنفط.
* رابعا: لجوء الامبريالية، وخاصة الامبريالية الامريكية الى اشعال فتن وحروب الصراع الدموي القبلي والاثني والقومي في العديد من البلدان بهدف تمزيق وحدتها الوطنية والاقليمية ونهب خيراتها وثرواتها الوطنية، خاصة كما يجري في العراق وفي العديد من البلدان الافريقية – السودان والصومال ونيجيريا وتشاد وغيرها. فهذه الحروب الاستراتيجية الاستعمارية تؤدي الى هدر طاقة التنمية الاقتصادية، الى هدر الطاقة البشرية والاقتصادية والثروة الوطنية.
* خامسا: التفتيش عن بديل للطاقة النفطية ادى الى اكتشاف واستغلال الوقود الحيوي من الحبوب، من القمح والذرة وغيرهما، ودخوله حيز التنفيذ في الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية ولكن لا يزال بشكل محدود لا يؤلف اكثر من اثنين في المئة من مجمل الطاقة المستهلكة في هذه البلدان. وبديهيا ان استغلال السلع الزراعية من الحبوب للوقود الحراري يؤثر على تقليص عرض هذه السلع ورفع اسعارها.
* سادسا: لجوء المستثمرين الاجانب الى تلويث البيئة في الصناعة الاستخراجية في البلدان النامية ومسؤولية الامبريالية عن ارتفاع معدلات الحرارة وازمة الاحتباس الحراري يؤثر سلبا على المجال التنموي الاقتصادي الزراعي، الامر الذي يساعد على تعميق ازمة الغذاء العالمي.
فكما ان حيتان الدول الامبريالية تتحمل المسؤولية الكبيرة عن انتشار الفقر والمجاعة وغياب ضمان الامن الغذائي في كثير من البلدان، خاصة في الدول النامية، فان الامبريالية الامريكية تتحمل الوزر الاكبر ايضا في تصعيد حدة ازمة الطاقة وارتفاع اسعار النفط بشكل جنوني. لقد حللنا هذا الموضوع سابقا، واكدنا بان انخفاض سعر صرف الدولار في ظل ملامح ازمة الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، زيادة عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات الامريكي قد عكس اثره السلبي ليس فقط بزيادة اسعار برميل النفط ليصل سعر البرميل الواحد الى اكثر من مئة وخمسة وثلاثين دولارا وقد يصل قريبا الى مئة وخمسين دولار، بل الى تصدير ازمة الركود الاقتصادي والازمة المالية الامريكية عالميا وليصبح الركود الاقتصادي الدالة الاقتصادية التي ترافق مسيرة تطور العالم الرأسمالي. ولهذا، فاننا نؤكد بان كوارث البشرية المطروحة على مؤتمر قمة مجموعة الدول الثماني مصدرها ومسببها الاساسي الطابع المأساوي التمييزي للعولمة الرأسمالية. ولهذا ايضا فان معالجة جذرية للقضايا الثلاث المطروحة للمناقشة والمعالجة على اجندة مؤتمر قمة الدول الثماني في اليابان تستدعي اولا وقبل كل شيء اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد مبني على العدالة والمساواة بشكل يقضي على الطابع التمييزي الهمجي وغير العادل للعولمة الرأسمالية القائمة. كما يستدعي ثانيا شطب جميع الديون الخارجية عن البلدان النامية وطرح برنامج مساعدة جدية لزيادة وتيرة النمو الاقتصادي ودفع وزيادة الانتاج الزراعي في البلدان النامية. اضف الى ذلك الاهمية الحيوية لبذل جهود دولية مشتركة لمواجهة الازمة البيئية والاحتباس الحراري. كما نرى من الاهمية بمكان اشراك الصين والهند والامم المتحدة في صياغة الموقف والقرارات المتعلقة بمعالجة جذرية للقضايا الثلاث المطروحة على اجندة قمة الدول الثماني في اليابان. اما ترك المعالجة وحصرها بأيدي مجموعة الثماني فهذا يعني ان لا علاج جذري مرتقب، وسنضطر لمعالجة هذا الموضوع في قمة السنة القادمة لهذه المجموعة.
د. احمد سعد *
الثلاثاء 8/7/2008