على ضوء التصريحات الاخيرة والتي ادلى بها "جيمي كارتر"الرئيس السابق للولايات المتحدة حول امتلاك اسرائيل للسلاح النووي ، تلك التصريحات والتي لاول مرة تتحدث بوضوح تام ومن غير ضبابية او التباس عن وجود سلاح ذري في اسرائيل ، يتبادر على الذهن السؤال المترتب على ذلك : لمن تخزن وتكدس اسرائيل هذا الكم الهائل من السلاح النووي ؟، في حين ان أعداءها المتعارف عليهم والمفترضين ، لا يسمح لهم حتى الحلم بهذا السلاح . منذ سنوات الخمسين من القرن العشرين ،وفي سنة 1958 بالتحديد، اقامت دولة اسرائيل منشأة نووية قرب مدينة ديمونا في صحراء النقب . هذه المنشأة النووية والتي أقيمت كثمرة تعاون فرنسي ، عرفت فيما بعد بالفرن الذري في ديمونا . ففي ديسمبر من عام 1960 ، اعلن دافيد بن غوريون رئيس وزراء اسرائيل ومن على منبر الكنيست ان اسرائيل قد انشأت فرنا ذريا "للاغراض ألسلمية "! في ديمونا .لكن ، بن غوريون لم يكن يقل الحقيقة ، ففي سبتمبر من عام 1961 قدرت تقارير لوكالة المخابرات المركزية الامريكية ( ( C.I.A - كشف عنها حديثا – قدرت ان اسرائيل سيكون بحيازتها رؤوس نووية بحلول سنة 1967-1968 . فرن ديمونا الذري ، يعلن عن قيامه بعد اثني عشر عاما من انشاء اسرائيل ، وبعد ان كانت قد هزمت جيوش انظمة الدول العربية في عام 1948 وشردت الشعب الفلسطيني في شتى ارجاء المعمورة . كيف لها ؟ ، من اين لها ، ولماذا ؟ اسئلة تطرح ، لكن الاجابة عليها ليس في هذا المقال المتواضع . لقد اتبعت اسرائيل منذ ذلك الوقت و"بنصيحة" !امريكية ،سياسة الغموض والضبابية في الشأن النووي ،(المفروض ان يتم منع انتشار الاسلحة النووية ) فابقت قضية امتلاكها للسلاح النووي غير واضحة ، فهي تمتلكه لمن تريد ان يعرف ان لديها اسلحة نووية ، وهي لا تمتلكه لمن يمنع انتشار الاسلحة النووية . على رأس المانعين في العالم لانتشار الاسلحة النووية ، تقف الولايات المتحدة الامريكية ، احدى اعظم قوتين نوويتين في العالم . هذه الولايات المتحدة في سنة 2003، شنت حربا مدمرة على العراق وزجت بجيش قوامه اكثر من 150000 جندي امريكي مع كل ما تملكه الترسانة الامريكية من اسلحة ، مستعملة جميع ادواتها الحربية العديدة والمتطورة - وما زالت هذه الحرب مستمرة حتى كتابة هذه السطور- بداية بذريعة، امتلاك العراق اسلحة دمار شامل ( أي نووي او كيماوي او بيولوجي ) ، او حتى، ربما امتلاك فقط ،القدرة على انتاج اسلحة الدمار الشامل، ولاحقا عندما تبين ان الادعاء الذي جاؤوا تحت اسمه ، تبين انه كاذب بامتياز ، فاخذوا يسوقون سببا جديدا قديما ،فادعوا انهم جاؤوا ليحاربوا الارهاب . لكن هذا الادعاء لم ينطل على الشعوب ، فالامريكيون يتعاملون مع هذا الموضوع بازدواجية ويكيلون بمكيالين .فان كنت ارهابيا وتمارس اعمالا ارهابية في خدمة المصلحة الامريكية ، كما حدث في اماكن عديدة في العالم كارهاب اسرائيل ضد العرب فلا ضرر . هذه الحرب و حسب كثير من الخبراء والمراقبين اعادت العراق قرنا او اكثر الى الوراء ، نتيجة التدمير الذي حل بكل نواحي حياة العراقيين اذا، وفي هذه الايام، وبعد تلقيه لطمة شديدة من اسرائيل ، عندما منع من دخول غزة في جولته الاخيرة والتي رغب بها ان يحلحل الامور ويقرب او يساهم بتحريك العملية السلمية ، يطل علينا "جيمي كارتر " ، ليقول : بان لدى اسرائيل وفي ترسانتها 150 رأسا نوويا حربيا . هذا التصريح مع انه لم يكن التصريح الاول الذي يعلن ويؤكد بشكل او بآخر عن امتلاك اسرائيل لاسحة نووية ، الا انه يعتبر الاكثر وضوحا والاكثر مصداقية ،لان كارتر وبحكم موقعه كرئيس سابق للولايات المتحدة ، كانت لديه معلومات اكيدة عن هذا الموضوع . لقد جاءت تصريحات كارتر غير مفاجئه ، فلقد كان من قبله وزير الدفاع الامريكي في العهد الحالي روبرت غيتس ، قد المح بذلك ، كما ان الخبير الفني في فرن ديمونا ، مردخاي فعنونو قد سرب في سنة 1986 لصحيفة الصندي تايمز معلومات هامة موثقة بـ ( 60) صورة تحكي وتأكد امتلاك اسرائيل لقنابل نووية ، تلك التسريبات التي كلفته السجن لاكثر من ثماني عشرة سنة ، كما ان ايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل المح بذلك ،عندما ذكر اعضاء النادي النووي واسرائيل بينها . لقد اعتبر السلاح النووي منذ بدء التسلح به في اواخر الاربعينيات من القرن العشرين كسلاح استراتيجي للردع ،لما له من قوة تدمير وقتل . قد تمتنع الدول الدخول في حروب في حضور السلاح النووي ، خشية من العواقب الوخيمة المترتبة على التعرض للاثر الهائل والدمار الشامل للبنى والارواح وكل ما يحدثه هذا السلاح . لقد تعرضت الانسانية لاثر السلاح النووي بشكل مباشر، مرة واحدة ، واكتوت بنيرانه بشكل رهيب ،و ادخل في نفوسها الرعب لهول الدمار والقتل الذي حدث . ففي ايلول من عام 1945 ، خلال اواخر الحرب العالمية الثانية ،وخلال اسبوع واحد ، القت قاذفتا قنابل امريكية قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما ونكازاكي اليابانيتين فاحدثتا انفجارين وخرابا وموتا هائلين . ان القنبلة النووية الامريكية الملقاة على هيروشيما ، كانت قوتها التدميرية تعادل وتساوي قوة 15,000 طن من المتفجرات العادية (T.N.T. )ولقد تسببت لوفاة 78,000 انسان ، كما ادت الى اصابة فورية لـ 90,000 شخص بجروح واصابة اعداد كبيرة جدا لاحقا بسبب الاشعاعات المنبعثة نتيجة التفجير النووي . ولم تكن نتائج قنبلة نكازاكي اقل من ذلك بكثير . بعد القاء القنبلتين النوويتين الامريكيتين على هيروشيما ونجازاكي ونتيجة لما احدثتاه من تدمير وقتل ، اعلنت اليابان عن استسلامها وخروجها من الحرب العالمية الثانية. لقد كانت اليابان بمقاييس سنوات الاربعين احدى اعظم القوى في العالم ، بصناعتها وقوة جيشها ، الا انها لم تتحمل هول وفظاعة التفجيرين النوويين ، فخرجت مذعورة من الحرب . اذا ، اليابان وهي الدولة العظمى لم تحتمل التعرض لضربة نووية حين كان هذا السلاح في اول تجربة له ،حين كانت قوته التدميرية ( نسبيا) ، ضعيفة . فكيف سيكون رد الفعل للتعرض لهجوم برأس نووية قوته التدميرية تفوق تلك التي القيت على اليابان ؟.هل يمكن لدولة عربية او حتى لجميع الدول ان تحتمل ضربة نووية كهذه ؟ . ان اسرائيل ومعها الداعم لها( الولايات المتحدة ) ، تعلم ان الانتصار والغلبة على جيوش انظمة الدول العربية لا يحتاج الى هذا الكم الهائل من هذا السلاح النووي فحسب تقدير الخبراء العسكريين المتخصصين في شؤون السلاح النووي ، يمكن تدمير جميع الدول العربية ب_5 قنبلة نووية وذلك بسبب المبنى الخاص لدول الشرق الوسط وبسبب القوة التدميرية للقنابل التي في الترسانة النووية الاسرائيلية . فحسب التحليلات لصورة القنبلة التى التقطها فعنونو ، فان هذه القنبلة تحتوي على -4 كغم بلاتونيوم وهي ذات قوة تصل الى – 260 (كيلوطن )، أيما يزيد -20 مرة القنبلة الملقاة على هيروشيما . فلمن يخزن هذا الكم من الرؤوس النووية اذا ؟ . واكثر من ذلك ، عندما تكلم كارتر عن حيازة اسرائيل الـ-150 رأسا نوويا، فان هذا الرقم يخص الفترة التي كان كارتر فيها رئيسا للولايات المتحدة ، أي قبل اكثر من عشرين سنة ، واذا علمنا ان لاسرائيل وحسب الخبير الفني فعنونو وغيره قدرة على انتاج عشر قنابل في السنة ، فإننا سنقف امام رقم يتخطى الـ 400 قنبلة ، الرقم الذي يوازي ما امتلكته بريطانيا العظمى وفرنسا حسب تقديرات كارتر . يقول علماء وخبراء القوى الاستراتيجية في العالم ،قديما وحديثا ، ان الدول تسعى لتمتلك القوة المناسبة لحجم مصالحها وملائمة لقوة الطرف المنافس لها ، فلا يعقل ان يملك منافسك مدفعا، فتسعى انت لامتلاك الف مدفع لاجل ان تغلبه . لقد التقت اسرائيل جيوش انظمة الدول العربية مرارا ولم تكن بحاجة لاسلحة نووية ، في مقابلة تلك الجيوش. واليوم ،وفي حروب تقليدية ، وبعد انهيار المعسكر الشرقي وزوال الاتحاد السوفييتي ، المزود الرئيسي لجيوش عديدة من انظمة الدول العربية ، تصبح الحاجة للسلاح النووي اقل بكثيران لم تكن معدومة . هذا، يقودنا الى السؤال الذي طرح . لمن اذا تكدس هذه الاسلحة المدمرة والفتاكة ؟ لكن، و قبل ان انهي يلح علي سؤال جدي: ماذا ستفعل اسرائيل بكل هذه القنابل النووية اذا لم تجد من يمنحها فرصة استعمال هذا السلاح النووي ؟. فاشكال الحروب متعددة وليس بالامكان استعمال الاسلحة النووية في كل انواع الحروب .