خدع بوش أضحت مادة إعلامية دسمة، وما زال التناول جاريا للخدع التي استخدمها قبل حربه العدوانية على العراق وبعدها وثم كانت خدعه نشر الديمقراطية والحرية، ويستمر تسويق موضوعة سلام أنابولس و«الدولتين»، رغم أن الصدأ علاها وتراكم على بقاياها. ويبدو أن تعداد خدع بوش لن يكون لها نهاية، ورغم انتشار مفهوم خدع بوش إلا أن التوقف الجاد ينبغي أن يتلمس جذور المشكلة وأبعادها وأصولها الإيديولوجية والفكرية. وأعماقها الكامنة في صلب العولمة الامبريالية الأمريكية.
إن الدلالات الأولية على موضوعة السياسات القائمة على الخداع تتلخص في مدى الانحطاط الذي يسم إدارة بوش والذي تريده مدخلا «لمعالجة» قضايا عالمنا. وهي أيضا تتجاوز مسائل عمق تناقضات العولمة التي تشكل أحد أسس منهج الخداع السياسي والاجتماعي، وطبيعي القول إن كل ذلك وغيره يستند إلى ركائزه الإيديولوجية.
وحقيقة الأمر أن منهج الخدع السياسية يدل على عمق الأزمة وتعفن العلاقات الدولية خاصة عندما تتنوع مواده وتطال ملايين أطفال العالم الجائعين، وطبيعي أن إدارة بوش تحول إلى عامل ذاتي تسعى إلى أن يعتمد منهج الخدع السياسية ويصبح شاملا، ولا غرابة، فالتناقض بين العمل ورأس المال، وما يرتبط به من ظواهر وتداعيات، لم يعد بالإمكان السيطرة على معظم مسائله من جهة، كما أن المعالجة لتلك الظواهر والتداعيات من جهة أخرى خرجت عن نطاق الإرادة البشرية بحكم علاقات الإنتاج الرأسمالي في ظروف العولمة. أليس ذلك ما يفسر المشاكل البيئية المستعصية رغم كثرة المؤتمرات، أليس ذلك في أبعاده يكمن في أسرار مشكلة الغذاء في العالم.
إنه من السذاجة بمكان رؤية أن الأمر يقتصر على إدارة بوش، ومن السذاجة بمكان الإدعاء أن رحيل إدارة بوش سيجر معه موضوع منهج الخدع السياسية، إن المسألة نتاج العولمة الرأسمالية وستفرض نفسها على الحكام صغارا وكبارا خاصة البلدان التي تتحول إلى حلقات ضعيفة من سلسلة الاندماج بسوق الاحتكارات العولمي.
لا تكتمل الأمور في التناول إذا لم تتلمس الأغطية الإيديولوجية، وكان بوش واضحا في ذلك خلال زيارته لإسرائيل وقبل، وخلاصة الأمر أن نهج الخدع السياسية يجد مرتكزات في الاعتماد على الإيديولوجية اللاهوتية ذات اللون الصهيوني، وبعبارة أخرى فإن ما يميز بوش ليس اعتماده الإيديولوجية اللاهوتية لتبرير منهج الخدع السياسية، فذلك أمر تجاوزه، وهو يكاد أن يشمل مختلف الحكام، حتى المتنحين عن الحكم، وكان مثالهم الأكثر دلالة طوني بلير. إن ما يميز بوش هو اللون الصهيوني للإيديولوجية اللاهوتية.
إن مسائل تلك الإيديولوجية تتقاطع في كثير من مكوناتها مع مكونات أشكال إيديولوجية أخرى ولكن تبقى إيديولوجية بوش ذات اللون الصهيوني أخطر إيديولوجية في ظروف عالمنا، فاحذروا الكثير من المؤتمرات التي تدس السم في الدسم، ويأتي الكثير منها تحت عناوين تلتصق «بحوار الحضارات» ومهام الأديان، وغيرها وغيرها. خاصة عندما يجري تمويه الوقائع ويصل الأمر ببعض رجال الدين إلى الشكوى من عدم إقبال الشباب على الجوامع والكنائس، ثم يكررون أن مشاكلنا نتاج أزمة بيننا وبين الله، وأن الإيمان ضعيف، وأن البشر عليهم العودة لله، وأن المسائل المستعصية ليست نتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية وعولمتها.
جبران الجابر
الأحد 22/6/2008