نحترق والعشق لا يحترق . نذوب والهوى شاب وسيم يهيم في مملكة الحب يدخل القلوب والعيون ويسرق الروح وينام ناعس الطرف خلف حدقات المحبين. يقرع في اليوم الاجراس في قلوب العاشقين آلاف المرات ويحثها على البحث عن الهوى الضائع في الدروب.
الحب تروبادور عاشق غنى الهوى تحت شباك حبيبته آلاف المرات عند مغيب الشمس علها تمطره بوردة حمراء من ورود غرناطة او بزهرة جلنار من بساتين اشبيليا او بطوق ياسمين دمشقي خلفه نزار بعد رحيله في باحة الدار هدية لكل العاشقين .
انا يا رفيقة الروح .. احب الورد واغار منه عندما يلمس شفتيك .احب شعرك الغجري واغار منه عندما تداعب خصلاته جيدك ووجنتيك . اعشق فساتينك كلها واغار منها عندما اراها ملتصقة بجسدك الذي يتوق الى لمسة يدي والى مغامرة البحث عن كنوز الدنيا كلها مرة اخرى من جديد .
اغار من اشيائك الصغيرة وهي تخفي عن عيوني مواقع عشقي وهضابا وسهودا بلون القمح وملمس المرمر . اكرهها عندما تخفي مضارب خيمتي الوردية لاسكنها الى الابد . ايه يا رفيقة الروح ..اغار منك عليك . اغار من افكاري التي تشاركني الفكر فيك وهي تسير دوما الى اللقاء الاخير الآتي ولا محالة . الحب نهر عظيم منبعه من الازل ومصبه الى بحر الموت ومن بعده طوق الياسمين ومن بعده ضباب ورائحة الخلق الاول ومركب من نور مجذافة نغم ساحر يسحبني الى هناك الى جزيرة الخلود . عشق الملايين وذابوا في ابعاد الزمن والطريق . قصص الحب ملأت شرفات ومقاهي العالم وكواليسه. ضاعت تلك الحكايات وتاهت في الدروب ومعها لوعة العاشقين . لم يبق في كتب الحب الا قلوب غمرت الارض والسماء عشقا وهياما . بقي قيس يغني ليلاه ويستجدي نارا غير تلك التي حرقت حشاشة قلبه . لم يبق الا روميو يصارع الرمق الاخير للفوز بقلب معبودته وانطونيو يجترح المعجزات للوصول لقلب كليوباترا في قلب الارض العربية على ضفاف النيل.
نعم يا حبيبتي .. الشرق مازال مسكن الارواح الهائمة التي تبحث دوما عن مملكة حب سحرية معلقة بين السماء والطارق باهداب آبنوسية كأهدابك تذوب فيها القلوب وتحترق العواصف وتتدفق فيها روائح المسك والعنبر وروح الندى وعبق بيارات فلسطين ولفحة تفاح الجولان ورحيق زهرة اللوتس في اعالي النيل ومسك الحجاز ورائحة جوز الطيب في جنوب السودان ونكهة زيتون الجزائر وشذى زنابق تونس الخضراء وهي ترنو الى المضيق.
انا يا معذبتي .. من هذه الارض الطيبة . خلقت من نطفة الهية مجبولة بروح الحب . خلقت تحت هذه السماء الزرقاء على مرمى البصر . خلقت حيث يحكي الموج للشاطئ حكاية حب طويلة عمرها آلاف السنين . خلقت تحت زيتون بلادي الذي يقص علي دوما اساطير الاولين . خلقت وانا اجدل عقودا من زهر الياسمين . خلقت على سطح دارنا القديمة اسمع هديل الحمام واهجع مع السحر الى فراش بلله ندى الصباح وعبق الطيون في الوادي القريب . خلقت بليلة ربيع صافية خلعت سدولها كلها وكشفت خفاياها الى النجوم التي قربت وغمزت لي من بعيد وانا اقبض على قبضة منها لتكون منارا لك في ليل سهدك الطويل .
كتبت لك فيما مضى عن اهدابك وعيونك وخصرك وعن دبوس شعرك وعن شالك الحريري وعن اثوابك كلها عن ذاك الاحمر المشجر وعن ذاك الوردي الذي اهدته لك حواري الجنة .. وعن ذاك الذي غزلته لك في حروفي وكلماتي . كتبت لك رسائل من شرفة الروح ومن علية شرقية غارقة بسحر الشرق قريبة من السماء . هذا هو كتاب العشق الاول والاخير اهديه اليك من القلب وفيه كل اشيائي الجميلة واحلامي التي حلمتها وحملتها معي طيلة حياتي وتلك التي ربما لن تأتي قبل سفرتي الاخيرة من هذا العالم .
استمدت شجاعتي من قصص الابطال العاديين على قارعة الطريق ومن شدو بلبل تينتنا العارية في تشرين ومن نسائم البحر الصيفية ومن لقمة مقدسة مغموسة بزيت الزيتون . سأبعث رسائلي من سعاة البريد في العالم ومع الغيم والمطر ومع البلابل والحساسين ومع الريح والعاصفة ونذف الثلج .
يا رفيقة روحي توقعي مني رسالة حيثما تكونين . اذا كنت في البحر ستكون مع نسمة بحرية ومع رعشة كل موجة تداعب جسدك الجميل . اذ كنت في البيت ستسمعين رسائلي مع كل اغنية حب ومع رنين الهاتف ومن كتبي وسطوري التي خططت .
اذا كنت في حضرة ولي من الاولياء الصالحين ستجدين رسائلي عابقة في بخور المكان خاشعة تحت اهدابك . اذا كنت في حديقة سينقلها بلبل بشدوه وطائر الهدهد بلمعان ريشاته .
اذهبي يا قرة العين وكوني قريرة العين عزائي لك لقاء متجدد ووصل الى يوم الوصل وحب يحرق ولا يحترق .
(شفاعمرو)
د. فؤاد خطيب *
الأربعاء 18/6/2008