السبت الماضي، وبمناسبة مرور ثمانين سنة على ولادته، عاد أرنستو تشي غيفارا إلى روزاريو في الأرجنتين حيث ولد وأمضى شبابه. ومن تلك البلدة، انطلق المناضل الثوري في رحلته الثانية إلى أميركا اللاتينية وهو بعمر الخامسة والعشرين، ولم يعد إليها منذ ذلك الحين، لأن الرحلة أوصلته إلى المكسيك حيث تعرّف على راوول كاسترو الذي عرّفه إلى شقيقه فيديل. السبت الماضي، عاد تشي غيفارا إلى روزاريو بمناسبة تدشين تمثال ضخم له وساحة باسمه. علوّ التمثال النحاسي حوالى أربعة أمتار ووزنه طن ونصف، وهو مصنوع من تسييل حوالى 75000 مفتاح تبرّع بها الآلاف من الناس لهذه الغاية. صورة الوجه المعتمدة هي تلك التي التقطها له ألبير كوردا، مصوّر الثورة الكوبية، والتي تحوّلت إلى إحدى أشهر أيقونات الاستهلاك دون أن يقبض عليها كوردا فلسا واحدا.
لم يشارك تشي غيفارا في الحياة السياسية في الأرجنتين، لكنه كان يتابع من بعيد أجواءها السياسية والذعر الذي كان يوحيه بيرون عند النخب باعتماده على جماهير الـ«ديسكاميزادوس» descamisados أي الـ«بدون قمصان»... بعد تعرّفه إلى فيديل، كرّس غيفارا كل نشاطه للثورة الكوبية وللمشاريع الأخرى التي أعطاها كل وقته. وكانت عودته إلى روزاريو أول من أمس كعودة الابن البار المهاجر إلى بلدته الأصلية. وقد شيّد التمثال وهو ينظر شمالا لكي يواجه تمثالا آخر لغيفارا في مدينة سانتا كلارا في كوبا.
ورعت كوبا الاحتفالات والنشاطات التي شملت مدنا عدة من الأرجنتين، وقد أتى للمناسبة ثلاثة من أولاد غيفارا، كما شارك في الحفل ثلاثة من أشقّائه وشقيقاته. واستغل أيضا ألبرتو غرانادو الفرصة كي يعود إلى روزاريو بعد غياب طويل. وألبرتو (85 سنة) هو صديق غيفارا في المراهقة، وشريكه في الرحلة الأولى إلى أميركا الجنوبية على درّاجة نارية عام 1951 التي دامت تسعة أشهر، والتي كتب خلالها غيفارا «يوميات درّاجة» عام 1960. ذهب ألبرتو لزيارة أرنستو في كوبا وبقي فيها حيث مارس مهنته الطبية. ويقول ألبرتو: «أنا صديقه... وأرى نفسي مناضلا ولكن حذار التأليه... فقيمة غيفارا أنه رجل من لحم ودم، رجل ضحّى كل مرة تمسكا بقناعاته... رجل فضّل دائما الطريق الأصعب على الطريق الأسهل، وهذا ما يجعله قيمة نادرة في هذه الأيام المعولمة».
... العالم يتغيّر بالفعل، ففي الأسبوع نفسه، سُجل حدثان لهما دلالتهما الكبرى: الأول هو إعلان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز في رسالة إلى زعيم الفارك الجديد أن الكفاح المسلّح «لم يعد مبررا في أميركا اللاتينية، لا بل إنه تحوّل إلى حجّة تسمّيها الإمبريالية «إرهابا» وتستغلها الإمبريالية للتدخل في شؤون الدول اليسارية المنتخبة ديموقراطيا». والحدث الثاني آت من كوبا التي أعلنت تخلّيها عن نظام الأجور «المساواتي» القديم وتبديله بآخر «حديث وبدون سقوف». فكرتان أساسيتان للعقيدة الغيفارية يتخطّاهما التاريخ في أسبوع عيد مولده الثمانين نفسه. ترى ما رأي تشي غيفارا بهاتين المسألتين اليوم؟
بول الأشقر
الثلاثاء 17/6/2008