أثار فوز السيناتور الديمقراطي الأسود الوحيد باراك أوباما، كأوّل مواطن أسود من الحزب الديمقراطي يترشّح لمنصب رئاسة الولايات المتحدة، المفاجآت وعدة تداعيات ومقاربات. أوباما الذي فاجأ الأمريكي الساذج وبعض الزعماء العرب، ببساطته وبأحلامه وبتعبيراته الرومانسيّة عن التغيير، والمعرّضة هي نفسها للتغيير، بحسب رغبة ورأي المستشارين المحيطين به ولمصلحة أصحاب رؤوس الأموال. والد باراك هو الطالب الأفريقي حسين الكيني الأسود، وضيع القيمة ، الذي قدم إلى بلاد الأحلام والفرص! (كما يحلو للبعض وصفها) يسكنه ويكتنفه شعور بالدونيّة، مقابل الأمريكي الأبيض، الأذكى والأقدر والأقوى والأغنى!.....، وجد عشيقته البيضاء لتلد له الطفل براك أوباما في خضم فوران ونفور المجتمع الأمريكي من الحرب والعدوان على فيتنام، الأمر الذي أثّر وتدخّل في تربية الطفل اوباما وفي تشكّل سلوكه، وعلاقاته بالمجتمع الأمريكي المتخبّط بهزائمه العسكريّة. توصّل حسين الوالد الأسود الكيني إلى النتيجة الأكثر احتمالا، في تلك الساعة، أنّه لا مكان لتحقيق ذاته في بلاد الاستغلال الرأسمالي البشع، فطلّق معشوقته، امرأته البيضاء، وتزوّج من إندونيسيّة، "على قد حاله". ومن ثم غادرت العائلة إلى إندونيسيا ليعيش براك الطفل أربع سنوات من طفولته فيها، لكنّ جديْه لوالدته الأمريكييْن أقنعا الوالد المسكين بأنّه من الأفضل للولد أن يعيش في أمريكا من أن يعيش في إندونيسيا، وتمّ لهما ذلك. بعد اطّلاعنا البسيط والمتواضع على حياة براك اوباما يمكننا أن نتكهّن ونتوقّع المشاعر والأحاسيس التي كانت تعتري الفتى براك، الذي انتقل للعيش مع جديْه في جزر هاواي النائية عن مركز الأحداث السياسية الملتهبة التي كانت تعصف بأمريكا (معارضة الحرب الفيتناميّة). تعتبر فترة التحاق بارك بجامعة كولمبيا بنيويورك ودراسته العلوم السياسية لمدة ثلاث سنوات وعمله، بعد تخرّجه، في الخدمة الاجتماعية في شيكاغو، الفترة الأكثر تأثيرًا على تشكّل وبلورة فلسفة حياته السياسيّة والتربوية التي دفعته ليحمل عقدة الاستكبار والتعالي كوجه آخر لعقدة والده الدونيّة؛ فاخذ براك بالاعتناء بلباسه ومظهره بعكس والده، والتحق بجامعة هارفرد، مفخرة النظام الرأسمالي الأمريكي، ليدرس القانون وليشغل أوّل رئيس أسود لمجلّة القانون التي تصدر عن الجامعة. عاش براك اوباما الصراع الداخلي بين عقدتيْ؛ الدونيّة والتعالي ليجد طريقه إلى الغنى الفاحش، كشأن باقي خرّيجي كلية الحقوق في هارفرد، وبالتالي إلى معترك الحياة السياسية، ففاز بعضويّة مجلس الشيوخ عن ولاية ألينوي، وبرزت إلى السطح مرة أخرى تخبّطاته واضطراباته بين الدونيّة والاستعلاء ليصرّح في سنة 2004، ربما إرضاء للأبيض وللتخفيف من تخوّفاته، بأنه لا يتطلّع إلى أعلى المناصب. وليصرّح بعد سنتين بعكس ذلك، ثمّ يعترف بتعاطيه الماريخوانا. وبالتالي طرح معتقداته ومقارباته وشعاراته، وفقا للسيرورة الأمريكية، من خلال كتابه "جرأة الأمل" ليطرح وليبْسط أفكاره المنادية بالتغيير المغاير لأسلوب ولسياسة المحافظين والليبراليين المحافظين(عائلة كلينتون)، فنادى بتطوير الرعاية الصحيّة للأمريكيين، وبحماية الفئات الفقيرة، وبزيادة الضرائب على الشركات الرأسمالية الكبرى، وبضبط البورصة في وول ستريت إلى آخر تصريحاته بضرورة الانسحاب من العراق. مثل هذه التصريحات والمشابهة لها تنم عن ليبراليّة محدودة لعدم تجاوزها الخط الأحمر، التحالف الاستراتيجي الأمريكي –الإسرائيلي، وتكشف ليبراليته المسكينة التي تحمل في طيّاتها سياسة محافظة متناغمة مع السياسة الأمريكية المنحازة للمصالح الصهيونيّة. دفعت سياسة المسكنة والتخبّط التي اتّبعها أوباما بالصحافة بوصفه، تارة بابراهم لنكولن المفتقر للخبرة السياسية الكافية لرئيس أمريكي، وتارة بجون كنيدي مبرزة نقاط الالتقاء بينهما؛ بأنّهما شابان وسيمان لهما القدرة على الخطابة الملهبة للمشاعر والمثيرة للإعجاب، كذلك علّقت الصحافة على موقفهما من الحروب العدوانيّة الأمريكيّة؛ في الماضي، درأ جون كندي حربًا مع الاتحاد السوفييتي على أرض كوبا (أذكر كيف هرب أهل بلدتي إلى كروم الزيتون عند انفجار الأزمة، وكيف عدنا إلى البيوت بعد انفراجها حاملين صور خروشوف والبعض صور كندي) وبدا التفكير بعدم جدوى الحرب الفيتنامية فدفع حياته ثمنًا لموقفه الجديد، واليوم، براك أوباما لم يصوّت على قرار غزو العراق ويطالب بالانسحاب منه وعلى هذا الموقف يتلقّى التهديدات. لكن هل سيكون اوباما سيناتور اليوم هو نفسه الرئيس غدًا؟ أنا لا أجد بتصريحات اوباما، أمام 7 آلاف شخص في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامّة الأمريكيّة- الإسرائيلية الداعمة لإسرائيل "إيباك" كأقوى جماعة للضغط في أمريكا، أي شذوذ، كما أنني لا أرى غرابة بتراجع أوباما عن هذه التصريحات في مقابلة لمحطة تلفزيون "سي إن إن " حيث صرّح ليخفف من غضب وقلق الطرف الثاني للنزاع: "بعدم إمكانية تقسيم القدس من الناحية العملية، وأنّ مستقبل القدس شأن يهم الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، وأنّ من حق الجميع الوصول إلى مكان العبادة،وأنّ من حق الفلسطينيين أن يكون لهم دولة متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة". هذا هو حال من يسعى إلى الرئاسة، والشخصيات المتخبّطة التي تحاذر عقدتي الدونية والاستكبار تصبح في أحيان كثيرة حنكليسا (ثعبان الماء) مكسوّا بالصابون كي يتخلّص ويتملّص من الضغط ومن التهديدات التي يتلقّاها عبر البريد الإلكتروني. لذلك ليخلّصنا الزعماء العرب من مفاجآتهم من تصريحات اوباما، خصوصًا وأنّه لا يستطيع أيّ رئيس أمريكي أن يضمن تفوّق إسرائيل العسكري(أثبتت المقاومة اللبنانيّة بقيادة حزب الله ذلك في حرب العصابات في صيف2006)، كما أنه لا يستطيع أي رئيس أمريكي إلا أن يتعهّد بهذا التفوّق لإسرائيل. أمّا بالنسبة لواقع التفوّق الإسرائيلي لن يكون بقوّة وكثرة السلاح الحديث والمتطوّر، أو بتكريس سياسة الاحتلال والتوسّع والاستيطان و.....، ستبدي الأيام لأوباما، كما أبدت لجيمي كارتر من قبله، أنّ طريق السلام، سلام الشعوب بحقّ الشعوب في الحرية وفي تقرير مصيرها، هو الطريق الوحيد الذي يضمن التفوّق الإسرائيلي الاقتصادي والسياسي. ربما يحتاج أوباما إلى برج الرئاسة ليرى منه ما لم يره وهو مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة (كما حصل لشارون). فليرحمنا الزعماء العرب، وليتخلصوا من عقدة مفتاح الحل الأمريكي (باكس أمريكانا)، فمفتاح الحل والربط كان وما زال في هذه البقعة المظلمة هنا، وليس في البقعة الأمريكة البعيدة المنوّرة، فلنفتش عن المفتاح الضائع حيث سقط. فلأمريكا فانوسها وضوؤها ولنا ظلمتنا. نرجوكم ألا تتناسوا وتتفاجأوا من أنّه مطلوب من براك حسين اوباما الأسود الهائم والحائر بين عقدتي الدونيّة والتعالي، أن يثبت دائمًا لمؤسسات السلطة ومجموعات الضغط الصهيونيّة إخلاصه لهما. أما انتم، فأثبتوا للشعوب العربيّة أنّكم مخلصون لها وللقضية الفلسطينيّة، أم إنّ الشعوب العربية ليست بشعوبكم لأنها هي البديل المهدد لعروشكم كما القضية الفلسطينيّة؟!