*عـون: الحقيبـة السـياديـة أو نبـقى خـارج الحكـومـة ...*
لليوم الثالث على التوالي، ظلت قرارات مجلس الأمن المركزي حبرا على ورق، باستثناء بعض التدابير الشكلية في العاصمة، بينما كانت عناصر التوتر تزداد حضورا، أعلاما وإعلاما ولافتات وصورا تزايدت بدلا من أن تنقص، فيما الخطة الأمنية التي حظيت بتغطية سياسية من جميع الأطراف اقتصرت على تعزيز بعض الدوريات الراجلة والسيارة في شوارع العاصمة، مع تسجيل المزيد من الانتهاكات الأمنية في العاصمة، كما في منطقة البقاع الأوسط، من دون أن ترصد حالات تجاوب حقيقي مع نداءات قادة الموالاة أو المعارضة بعودة المواطنين الذين هجروا من منازلهم أو مؤسساتهم...
ولعل الخطر ، كل الخطر، أن يقتصر تجاوب الجميع فقط مع القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الأمن المركزي والقاضي بعودة جميع المكاتب الحزبية الى جميع الأفرقاء في العاصمة من دون استثناء، خاصة أنه يتزامن مع همس حول اعادة الاعتبار لبعض البنى الأمنية، ما يعني اعادة عنصر توتير اضافي بدلا من العكس!
ووفق المعلومات المتداولة، ظلت قضية نزع الصور، محور أخذ ورد خاصة من جانب تيار المستقبل، الذي كان قد أبلغ مساء يوم الجمعة رفضه القيام بهذه الخطوة، الا اذا اقترنت بقرار رفع الصور من بعض ضواحي العاصمة، وخاصة طريق المطار، بعدما كان سابقا يربط بين نزع الصور وإنهاء الاعتصام الذي أصبح من الماضي.
وإزاء ذلك كله، دعت مراجع رئاسية قيادتي الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الى الضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه، أن يعترض على تنفيذ القرارات الأربعة التي اتخذها مجلس الأمن المركزي، طالما أن التغطية السياسية باتت متوافرة من الجميع، الا اذا كانت هناك بعض القطب المخفية التي يريد البعض التسلل عبرها من أجل تعديل مضمون الاتفاق السياسي الذي أبرم في الدوحة أو اعادة النظر في الأولويات «وهي عملية لن تكون قابلة للنجاح»، على حد تعبير المراجع نفسها.
ولفت الانتباه في هذا السياق قول رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«السفير» «اننا لا نفهم السبب وراء عدم تنفيذ المقررات الا اذا كان المطلوب من المتخاصمين أن ينفذوها بدلا من الأجهزة المعنية بالأمر»، مسجلا في الوقت نفسه لرئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة «جديته وحزمه في التعاطي مع الملف الأمني في العاصمة وبقية المناطق».
وشدد بري على وجوب ان تأخذ القوى الامنية من جيش وقوى امن داخلي دورها في مجال الامساك بالوضع الامني وملاحقة كل المخلين والمرتكبين الى اي فئة انتموا، وذلك انفاذا للخطة التي تبناها مجلس الامن المركزي.
مراوحة في تشكيل الحكومة
وبينما كانت كل المؤشرات تدل على أن تنفيذ الاتفاق السياسي وفتح قنوات الحوار السياسي بين المعارضة والموالاة على مصراعيها وخاصة بين قيادتي تيار المستقبل و«حزب الله»، يمكن أن تنعكس ايجابا على الملف الأمني، بدلا من اشتراط الاتفاق الأمني لاستكمال الاتفاق السياسي، بدا جليا أن الأمور تراوح مكانها حتى الآن على صعيد عملية التأليف الحكومي، في ظل مخاوف من فتح جبهات أمنية جديدة غير محسوبة، وهو الأمر الذي حذرت منه مراجع أمنية بارزة، أبلغت قيادة الفصائل الفلسطينية في لبنان بأنها تخشى من محاولة لخلق «مخيم بارد 2» في عين الحلوة «اذا استمرت الأمور على ما هي عليه حاليا».
وقد أخذت هذه المسألة في الحسبان، وتردد أن ضباطا فرنسيين رافقوا الوفد الرئاسي الفرنسي دققوا مع جهات أمنية لبنانية في ما يجري داخل عين الحلوة وإمكان انعكاسه سلبا على قوات «اليونيفيل» في الجنوب، وجاءت الأجوبة اللبنانية «غير مطمئنة للجانب الفرنسي»، بحسب صحافيين لبنانيين رافقوا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي!
في هذا الوقت، قال الرئيس بري لـ«السفير» ان الاتصالات يفترض ان تنطلق مجددا وعلى نحو سريع وليس متسرّعا في اتجاه تشكيل حكومة العهد الاولى.
ورأى بري ان الامور يجب ان تنتهي خلال اسبوع كحد اقصى، فالوضع لا يحتمل، فضلا عن أن هذا التأخير يعني من جهة ثانية، فرملة العهد الجديد في مستهل انطلاقته، وهذا أمر لا يجوز على الاطلاق.
وردا على سؤال قال بري ان الجميع يدرك أن اتفاق الدوحة هو كل متكامل، ولا يستطيع احد ان يعطله، ومن سيعطله فسيُفتضح امره بسرعة.
وذكرت مصادر متابعة لـ«السفير» ان لقاء الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري وفؤاد السنيورة في القصر الجمهوري بعد مغادرة ساركوزي، خُصص لعرض الامور العامة ولا سيما الاتصالات لتشكيل الحكومة. وفهم ان تقدما حصل في مكان ما وأن هناك فرصة حقيقية للتوصل الى مخارج معينة، لكن بقيت بعض القضايا عالقة وبحاجة لمتابعة ومنها مطلب العماد ميشال عون الخاص بالحقيبة السيادية.
وعلمت «السفير» أن التواصل استمر، أمس، بين الرئيس المكلف من جهة وقوى المعارضة من جهة ثانية وخاصة مع «التيار الوطني الحر» من دون أن تتبلور مخارج أو عروض جدية لعقدة الحقيبة السيادية، «حيث ظلت الأمور مقتصرة على ابداء النيات الطيبة وتأكيد الرغبة بالأخذ والرد لا أكثر ولا أقل» على حد تعبير مصادر قيادية بارزة في المعارضة.
وفيما رفضت الأوساط المقربة من العماد عون الحديث عن الاتصالات ونتائجها، اكتفت بالقول لـ«السفير» اننا ما زلنا عند تمسكنا بحقيبة المالية، ولا أحد قدم الينا شيئا محددا حتى الآن لكسر الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ انطلاق مشاورات التأليف قبل أكثر من اسبوع.
وعلمت «السفير» انه في خلال بعض الاجتماعات المفتوحة التي عقدتها قيادات المعارضة في اليومين الماضيين، تبلغت قيادتا «حزب الله» و«امل» ورئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية وقيادة «اللقاء الوطني» قرارا واضحا اتخذه العماد عون يقضي بعدم الدخول الى الحكومة الا اذا أعطي حقيبة سيادية...
وقال قيادي في المعارضة لـ«السفير» اننا تبلغنا من العماد عون أنه يرفض «أي محاولة لمقايضة الحقيبة السيادية بحقائب خدماتية على أهميتها، كما يرفض أي مقايضات عبر المشاركة في تسمية هذا الوزير السيادي أو ذاك». والأهم من ذلك، تابع القيادي نفسه، أن عون «أبلغ الجميع أنه لن يرضى بالدخول الى حكومة لا يحصل فيها كل من الشيعة أو السنة على حقيبة سيادية، وهذا موقف مبدئي لا عودة عنه مهما كانت عواقبه... وطالما أن ممثلي الغالبية الشيعية والسنية يقررون من يمثلهم في الحقيبتين السياديتين المحسوبتين عليهما، فإن هذا الأمر يسري على من يمثل الغالبية المسيحية».
وأضاف القيادي المعارض نفسه أن رئيس مجلس النواب نبيه بري تبنى موقف العماد عون وهو أبلغ رئيس الحكومة المكلف صراحة «كيف تفكر يا دولة الرئيس بتشكيل حكومة اذا لم تعط العماد ميشال عون حقيبة سيادية».
وشدد القيادي نفسه على أن قيادة «حزب الله» تفهمت مطلب عون كحق سياسي وليس كتنازل من الآخرين، خاصة أن اتفاق الدوحة حسم نقطة وحيدة في موضوع الحقائب السيادية لجهة اسناد وزارة الداخلية الى شخصية محايدة محسوبة على رئيس الجمهورية، لكن بتوافق الموالاة والمعارضة، أما بقية الحقائب السيادية، فقد تقرر أن توزع مناصفة بين الجانبين، «لذلك فإن مشكلتنا كمعارضة، ونعتقد أن هذا هو جوهر موقف العماد عون ايضا، ليست مع رئيس الجمهورية، بل مع الموالاة، فالرئيس السنيورة هو من يشكل الحكومة وهو الذي يجب عليه أن يقترح الصيغ والحلول وليس غيره».
سليمان في بكركي
الى ذلك، كان الموضوع الحكومي محور اللقاء الذي جمع امس، الرئيس ميشال سليمان والبطريرك الماروني نصر الله صفير في بكركي، اضافة الى ضرورة تحقيق المصالحة المسيحية ـ المسيحية، والمصالحة اللبنانية العامة والخطوات التي تؤدي الى هذه المصالحة.
وتناول اللقاء الذي استمر ثلث ساعة، بيان الاساقفة الموارنة بعد انتهاء رياضتهم الروحية السبت، وتم الاتفاق على عقد لقاء آخر بينهما لم يحدد موعده، ولم يعرف هل يتم قبل سفر صفير في جولة رعوية خلال شهر تموز او بعدها، لكن رجحت المصادر ان يجري اللقاء المقبل في القصر الجمهوري قبل سفر صفير.
وقال أوساط في قصر بعبدا، إن «الخلوة تضمنت جولة أفق أشاد خلالها رئيس الجمهورية بمضمون بيان المطارنة لا سيما لجهة التركيز على أهمية نبذ العنف ودعوة المسيحيين الى الانفتاح، بالإضافة الى دور المغتربين وتعزيز التواصل معهم، وإقامة أفضــل العلاقات بين لبنان وجيرانه وسبل تعزيز التوافق بـين المسيحــيين أنفسهم».
من جهة ثانية، اكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان فرنسا لكل اللبنانيين من دون استثناء. وشدد خلال اللقاء الرئاسي الذي جمعه بكل من رئيس الجمهورية والرئيس بري والرئيس السنيورة على ضرورة قيام دولة فلسطينية، لكنه سأل: ما معنى السعي لاقامة دولة فلسطينية بلا شعب.. وما هي الفائدة من دولة فلسطينية طالما انها لن تستوعب شعبها.. وما الجدوى منها، ولماذا تقوم اصلا دولة كهذه؟
وقالت مصادر اطلعت على اجواء الاجتماع الرئاسي مع ساركوزي، ان الحاضرين من الجانب اللبناني اهتموا بكلام ساركوزي من ناحية مضمونه الاعتراضي على التوطين، ومن ناحية ثانية لصراحته المريحة، التي قد يتأسس عليها تعاون مشترك وانفتاح وثقة متبادلة وخصوصا بين باريس وقوى المعارضة الاساسية في لبنان.
وعلم أنه خلال الحديث المقتضب الذي دار بين الرئيس الفرنسي، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أثناء استضافة قادة الحوار الوطني الى مأدبة غداء على شرف الضيف الفرنسي، عبر ساركوزي لرعد عن تفهمه لأهمية ودور «حزب الله» في لبنان وتعهد بالسعي لاستعادة مزارع شبعا.
وقالت مصادر الاليزيه «إن الرئيس ساركوزي سيعمل على تحريك قضية مزارع شبعا، وهو يعتقد أن الحل الأمثل لقضية مزارع شبعا، هو أن نضعها في عهدة الأمم المتحدة، وستكون هذه القضية على طاولة مباحثاته في تل أبيب عندما يزورها رسميا في الثاني والعشرين من هذا الشهر».
وقالت مصادر الاليزيه «إن الرئيس ساركوزي سيزور سوريا قريبا، وسيقوم مستشاروه، كلود غيان وجان دافيد ليفيت وبوريس بوالون، بزيارة في الأيام المقبلة إلى العاصمة السورية، لتكريس عودة الاتصالات السياسية، والبحث في حضور الرئيس بشار الأسد قمة الاتحاد من أجل المتوسط في 13تموز المقبل في باريس».
وقالت مصادر فرنسية رفيعة، إن الرئيس الفرنسي أكد خلال مكالمته الهاتفية الأخيرة مع الرئيس الأسد، «أن فرنسا لا تسعى إلى قلب نظامه، ولا أي نظام آخر».
وقال المصدر الفرنسي «إن ساركوزي متفائل جدا بقرب افتتاح سفارة سورية في بيروت»، وقال ان ساركوزي لا يفعل سوى الوفاء بالتزام قطعه بتطبيع العلاقات مع دمشق، عندما تتعاون في انتخاب رئيس لبناني، وهذا ما حدث.
الأثنين 9/6/2008