حـزب هذه ثروتـه وهذا رأسمالـه عصيّـة أسهمـه المرتفعـة علـى الانخفـاض!
لا ادري فعلا أهي الصدف "المتلاحقة" التي قادت الى هذه الحكمة في الموقف والى هذه المبادرة الخلاقة، ام هي حكمة بذاتها استخلاص العبر الصحيحة باستخراج "زبدة" تحصيل الحاصل وعرضها على المسرح كجوهر الخبر ومدلوله السياسي والانساني. في الواحد والثلاثين من شهر ايار الربيع والزهور والخضرة، يوم الجمعة الماضي مساء، وفي الناصرة عاصمة الكفاح الوطني والاممي، جرى الكشف عن ثروة مميزة الطابع، عن ملامح تراكم الرأسمال الثابت والمتغير في اعقد فترة واخطر فترة شهدتها جدلية التطور والصراع في البلاد بين قوى الشر من اعداء الانسانية وحق الشعوب في التحرر وتقرير المصير والمساواة والعدالة الاجتماعية وبين قوى الصخر وطعجت المخرز وسبحت ضد التيار و"استقتلت" في المعترك الكفاحي دفاعا عن حق الانسان الشرعي والطبيعي والانساني في وطن غير مستباح، وفي رغيف خبز مجبول بالكرامة وبمكان عمل وبمساواة تحميه من انياب ذئاب العنصرية والفاشية ودمقراطية تصون حقه الطبيعي كمواطن له حرية التعبير عن رأيه سياسيا واجتماعيا وثقافيا. ففي احتفال مهيب كرمت الشبيبة الشيوعية، الرأسمال المتحرك في اطار الثروة الوطنية الاممية الشيوعية وكتيبة الحزب الدينامية الشابة والنشطة وكليته الاعدادية لتخريج افواج جديدة من المناضلين المصقولين وعيا فكريا وسياسيا واجتماعيا، كرمت هذه الشبيبة المئات المئات من قدامى الحزب، من النساء والرجال، من اليهود والعرب، الذين يعتبرون الرأسمال الثابت والاساسي في بنية الحزب الهيكلية وفي تاريخه النضالي المشرف. فهؤلاء المكرمون من اجيال ستين سنة فما فوق، أي ان اكثر من تسعين في المئة منهم هم من ولدوا عشية النكبة التي حلت بشعبنا العربي الفلسطيني او ولدوا في رحم النكبة وكان صراخ قدومهم ابان الولادة ليس دالة فرح وسرور في ظرف خيمت فيه على فلسطين سحابة سوداء في حينه واجتاحتها عاصفة مجنونة مخضبة بدماء ومجازر ومعاناة شعب تعرض لأكبر جريمة تطهير عرقي كارثية ارتكبها التحالف الدنس الشرير – الامبريالية والصهيونية وتواطؤ الرجعية العربية. جيل ولد وتعمد في معترك المعارك المصيرية، معارك مواجهة عمليات الاقتلاع والتهجير والترحيل لتحويل الشعب الفلسطيني الآمن في وطنه الى شعب من اللاجئين يعاني من الضياع ومآسي المعيشة في مخيمات ومواطن اللجوء خارج وداخل وطنه، ومَن كان غير الشيوعيين ينشط متحديا الموت لتجنيد الناس في الناصرة وام الفحم وكفر ياسيف وعيلبون وقرى الشاغور من اجل البقاء في ارض الوطن الذي لا وطن لنا سواه. هذا جيل حمل الراية الكفاحية في مواجهة ارهاب وجرائم الحكم العسكري وفي مواجهة مشاريع مصادرة الاراضي العربية وتهويدها كمقدمة لترحيل ما تبقى من الشعب الفلسطيني متمسكا بتراب وطنه ولتحويل الاقلية الباقية الى قوة سياسية هامشية، الى قوة عمل احتياطية تخدم الاقتصاد العبري وتحرم من حقها في المساواة القومية والمدنية وابقاء حقها بالمواطنة الكاملة فارغ المضمون. هذا الجيل، برفاقه اليهود والعرب، لم يطو علم الكفاح يوما في نشاطه لتنظيم الكفاح القومي والمدني للجماهير العربية في اسرائيل كأقلية قومية لها حقها في العلم والعمل والارض، في الكهرباء والماء والبنية التحتية من شوارع ومجار ومدارس وعيادات صحية. باختصار كان للحزب الشيوعي ورفاقه من هذا الجيل وبالرصيد الكفاحي الغني الذي ورثوه عن جيل سابق، جيل المؤسسين الذين يعتبرون ذخرا للحزب ومرجعيته امثال القائد الشيوعي العريق اطال الله في عمره توفيق طوبي والمرحومين د. اميل توما واميل حبيبي وسليم القاسم وتوفيق زياد وجمال موسى ورمزي خوري وعثمان ابو راس وصليبا خميس وماير فلنر وساشا حنين ومحمود حصري وحسن بكري، واطال الله في اعمارهم اسعد يوسف كنانة وروت لوبيفيتش وعوزي بورشطاين والقائمة طويلة، ارجو المعذرة لعدم ذكر اسمائهم، فجميع رفاق الحزب يستحقون التقدير، وباختصار كان للحزب الشيوعي الاممي دوره الريادي والقائد في بلورة وتنظيم الوعي القومي والطبقي للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل، وفي بلورة الهوية السياسية التقدمية النضالية السائدة بين اوساط هذه الاقلية القومية والتي جعلتها قوة دمقراطية لها وزنها النوعي والكمي المؤثر والناشط ليس فقط في مواجهة سياسة التمييز القومي السلطوية العنصرية ودفاعا عن حقوقها القومية والمدنية، بل كذلك في المعارك العامة من اجل السلام العادل وانجاز الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني بالتحرر والدولة والقدس والعودة، وفي معركة الدفاع عن حقوق العاملين وحق المرأة في المساواة وفي المعارك لمواجهة مختلف مظاهر التمييز العنصري ومواجهة المد الفاشي العنصري المعادي للعرب وللدمقراطية. في السنوات الاخيرة، في السنوات الخمس والست الاخيرة، بدأت تبرز ملامح انطلاقة مباركة في زيادة نشاط الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة وزيادة تأثيرهما جماهيريا. وحاولنا بشكل موضوعي تقييم حالة بيتنا الحزبي والجبهوي، وفي اكثر من مناسبة، حاولنا ان نبتعد عن المبالغة وان لا نطوش على شبر ماء في لحظة نشوة بعد مظاهر بروز أي مكسب حققناه. حاولنا اثبات وتأكيد ان انطلاقة الحزب والجبهة وبهذا الزخم من التأييد الجماهيري المشارك تحت رايات الكفاح يعود الى عاملين مركزيين، العامل المركزي الاول، قراءة الحزب الشيوعي بصورة صحيحة لجوهر ومدلولات الواقع المتغير في عالمنا واثرها واسقاطاتها على مجرى التطور والصراع في منطقتنا وبلادنا، وانطلاقة في مواجهة هذه التحديات على مختلف الصعد فالمتغير الجديد على ارض الواقع كان انتهاج ادارة اليمين المحافظ في "البيت الابيض" برئاسة بوش الاستراتيجية الجديدة عالميا تحت ستار "الحرب الكونية ضد الارهاب" وذلك بهدف الهيمنة عالميا استراتيجيا واقتصاديا وخاصة على منابع ومصادر النفط ومواجهة - وحتى الاطاحة عسكريا وبالقوة بكل من يناهض استراتيجية الهيمنة الامريكية. وقد تبنت حكومة الاحتلال الاسرائيلي استراتيجية بوش كشريك في خدمتها، ومن هذا المنطلق صعّدت حكومة شارون واولمرت – براك بعدها التصعيد العدواني لارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية معتبرة الصراع ليس بين محتل وجلاد اسرائيل وضحية يرزح تحت نير جرائمه، بل صراع "الامن الاسرائيلي" ضد الارهاب الفلسطيني!! كما شهدت هذه الفترة تصعيدا لسياسة التمييز القومي السلطوية ضد الجماهير العربية في اسرائيل وتدهورا فاشيا عنصريا منفلت العقال ومعاديا للعرب وللدمقراطية. وفي مواجهة هذه التحديات امتشق الحزب والجبهة والشبيبة الشيوعية سلاح النضال السياسي – الشعبي والرسمي على مختلف الجبهات. والعامل المركزي الثاني، ان العديد من الاحزاب والتيارات القومية والقومجية وتيارات المواسم من فطريات "الرجل المعظم" وتيار شخصية الكرسي قد اثبتت افلاسها او عجزها عن مواجهة عواصف وتحديات المرحلة الجديدة، فبعضها يحفر كالدجاج بين ارجله فيما يقاقي ديكه في دواوين الغرف المكيفة خارج حدود معركة الصراع، البعض منهم يداري افلاس تياره السياسي بالتفتيش عن قرنة دافئة للانعاش المكثف، اما التيارات الاسلامية الاصولية فانها تستمد بعض انفاسها من اخبار نشاط حركات اسلامية مقاومة للامبريالية ان كان في لبنان او غيرها. ولكن هذه الاحزاب الفئوية محدودة ليس في بنيتها فحسب، بل في برنامجها السياسي والاجتماعي الذي لا يمكن ان يكون برنامج غالبية الجماهير. لقد جاء تكريم قدامى الحزب تتويجا لاعمال ونشاطات جماهيرية – سياسية مميزة وناجحة من حيث الوزن الكمي والنوعي والتي برز من خلالها مشاركة كوادر ومؤيدي الحزب والجبهة بشكل لافت للعيان، فمن المبادرة لاجتماع المبدعين والمبدعات، الى مظاهرة يوم "الارض الخالد" الى مهرجانات الالوف المؤلفة في الناصرة وابو سنان، كفر ياسيف وام الفحم وشفاعمرو والطيبة والطيرة وعرابة، الى احتفالات النصر على النازية، وقبل كل ذلك الافتتاح الناجح جماهيريا لمؤتمر الجبهة الاخير. واهم من كل ذلك ان كوادر الحزب والجبهة جمعوا وحدهم حوالي مئتي الف توقيع على عرائض اقرتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل، تطالب باقامة لجنة دولية لمحاكمة المجرمين الذين قتلوا ثلاثة عشر شابا عربيا وجرحوا المئات ابان هبة اكتوبر الفين احتجاجا على مجزرة القدس والاقصى التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي. فجميع الاحزاب والتيارات العربية التي التزمت بقرار لجنة المتابعة لم تجمع مجتمعة خمس ما جمعته كوادر الحزب والجبهة، وهذا مؤشر يعكس القوة التنظيمية ومدى ارتباط كوادر الحزب والجبهة بالجماهير الشعبية وبقضاياها يعكس مدى ارتباط وثقة الجماهير بالحزب والجبهة. ما يفرحنا ويثلج صدورنا، ولكنه لا يجعلنا نطوش على شبر ماء، ان العديد من مكاتب وجمعيات ورجال اكاديميا تشير معطياتهم وآراءهم الى الاعتراف بحقيقة انطلاقة الحزب والجبهة وزيادة نفوذهما جماهيريا، هذا اضافة الى الظاهرة المباركة بزيادة الاعضاء اليهود والعرب الشباب المنضمين الى صفوف الحزب والشبيبة والجبهة. ولكن وللاسف ليس كل كلمة حق يراد بها حق، فبعضها يجري دسها مثل السم في الدسم، ولتكون كلمة حق يراد بها باطل. فقد قرأت مؤخرا مقالا في احدى الصحف، كتبه احد الاكاديميين المعروفين، بصراحة استمتعت بكل كلمة وكل تعبير وكل تحليل كتبه من اول سطر حتى آخر سطر في الثلاثة ارباع الاولى من مساحة مقاله المنشور، اما الربع الاخير فانه "بدلا من ان يكحل الاعين الجميلة التي وضعها في سياق تحليله، بدلا من ذلك قام عماها" واصبح ما كتبه "كلمة حق يراد بها باطل". ففي مقاله يمجد الكاتب الاكاديمي الجبهة، وبأنها فعلا القوة الطليعية بين الجماهير العربية وتمتاز بقوة النظام والتنظيم وانها تختلف عن غيرها من التيارات السياسية انها تلتزم وتفعل ما تقوله ولا تلقي الشعار وتتهرب من تجسيده على الارض كما يفعل غيرها، وجمع التواقيع على العريضة التي طرحتها لجنة المتابعة اكبر دليل على ذلك. لو اكتفى عزيزي الاكاديمي بوضع نقطة بعد تقديره وتحليله الاكاديمي للجبهة لقبّلته بين عينيه وشكرته على موقفه الموضوعي المناصر للحقيقة، ولكنه، وللاسف كما يظهر من كتاباته، انه من المحقونين عداء للحزب الشيوعي، وهذا برز من محاولته التأكيد على عدة امور تناقض الواقع، الامر الاول اختزال انطلاقة الجبهة المباركة في السنوات الاخيرة بالشنشنة الى ما حدث في الحزب والجبهة بعد مؤتمر الحزب ومؤتمر الجبهة مصورا الامر وكأنه مرحلة "تحول نوعي"، وانه لا يكفي ذلك – حسب رأيه – يجب النبش في "الثوابت" التي تعيق عمل الجبهة ولعل رسالة الجبهة الى لجنة المتابعة حول "يهودية الدولة" مؤشر على التغيير!! ما اود ان اؤكده ان حضرة الاكاديمي يخلط الاوراق عمدا في قضيتين جوهريتين، القضية الاولى، ان كل انطلاقة تحققها الجبهة هي انطلاقة الحزب ايضا لأنه عمودها الفقري، والعكس هو الصحيح، والاكاديمي المحترم يتجاهل حقيقة ومدلول المقولة الكفاحية ان من لا ماضي له لا حاضر له ولا تفاؤل بالنسبة لمستقبله ومهما "بحبش البحاشون" و"نبش النباشون" فلن يجدوا غير "الثوابت المبدئية" اساس قوة وانطلاقة الحزب والجبهة، واي تفريط بأي من هذه الثوابت يعني توجيه رصاصة الرحمة الى قلب الحزب والجبهة، فثلاث ثوابت مبدئية اساسية كانت "صمدة العروس" التي احتفلنا بها في تكريم قدامى الحزب – وهذه الثوابت هي هي منهج ونهج الحزب كحزب ثوري طبقي، حزب الطبقة العاملة وكل المظلومين في مجتمع الاستغلال الرأسمالي، حزب ماركسي – لينيني والجبهة والجبهويون رغم عدم تبنيهم للفكر الماركسي الا انهم شركاء مع الحزب في النهج الثوري الكفاحي في مختلف المعارك، والثابتة الثانية انه حزب اممي يهودي – عربي، فمصلحة الشعبين في النضال المشترك لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية ورفاهية الانسان، المجتمع الاشتراكي في نهاية المطاف، والثابتة الثالثة وحدة الحزب التنظيمية والفكرية والسياسية في ظل تعدد الافكار ولكن القرار واحد، بلوراليزم افكار، ولكن ليس بلوراليزم تنظيمي وتحويل الحزب الى دكاكين، الحزب ليس حلقة دينية مغلقة، بل حزبا دمقراطيا تقدس فيه حرية ابداء الرأي ولكن في النهاية يكون قرار واحد ملزم للجميع يؤخذ بالاقناع بالاجماع او بالاكثرية. فتمسك مئات وآلاف رفاق الحزب واصدقائهم من القدامى والجدد كان السر الاساسي في صمود الحزب والجبهة في وجه مختلف العواصف والتحديات وفي اثراء الصمود الجبهوي وفي تحقيق الانطلاقة. اما بالنسبة للموقف من يهودية الدولة فحضرة الاكاديمي يخلط عمدا شعبان برمضان، فالحزب كان اول من دعا الى اقامة دولة فلسطينية دمقراطية علمانية، ولكن تطور المؤامرة التي قادت الى جرح النكبة فقد ايد الحزب قرار التقسيم باقامة دولتين اسرائيل اليهودية وفلسطين العربية. ولا يزال الحزب حتى يومنا هذا متمسكا بحق تقرير المصير باقامة دولة فلسطين الى جانب اسرائيل. اما الموقف من يهودية الدولة اليوم فقد حدثه مستجدات تعمل على توسيع جرح النكبة، ففي اسرائيل تحول موضوع الترانسفير بترحيل العرب والفلسطينيين من قضية نظرية واكاديمية الى برامج ومشاريع معدة للتنفيذ وطُرحت على طاولة التفاوض لإملائها على الوفد الفلسطيني. فموقفنا المبدئي اننا نرفض دولة اليهود لأنها عنصرية المدلول وتعني التمييز ضد غير اليهود، أي العرب، ويهودية الدولة تعني شرعنة الغاء حق العودة للاجئين والمهجرين وشرعنة ترحيل عرب المثلث وغيرهم، ولهذا كانت صرخة القائد اسعد يوسف كنانة – صونوا طريق الحزب طريق وحدته وفكره وامميته، فهذا رأس ماله العصية اسهمه على الانخفاض.