*مجموعة من اليهود الليبراليين تنشئ منظمة باسم "جي ستريت" في محاولة لمنافسة جماعة الضغط اليهودية الرئيسية "إيباك"*
واشنطن- وكالات- لا يوجد شارع في واشنطن يسمى "جي ستريت" مثلما هو الحال مع باقي حروف الأبجدية الإنكليزية التي يطلق معظمها على شوارع العاصمة الأمريكية، لكن مجموعة من المدافعين عن خيارات السلام استلهموا هذا الغياب للإعلان عن قيام أول منظمة من اليهود الأمريكيين تركز على دعم السياسيين الذين يؤمنون بضرورة التحرك نحو تسوية سلمية حقيقية في الشرق الأوسط في تحد لأقوى جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة وهي لجنة العلاقات العامة الأمريكية- الإسرائيلية "إيباك".
وتمكن حشد من رموز اليهود الأمريكيين "الليبراليين" بمساندة من شخصيات معروفة في المجتمع الإسرائيلي من الإعلان عن تأسيس منظمة جديدة في واشنطن تسعى الى مساندة جهود السلام في الشرق الأوسط والوقوف في وجه "إيباك" التي يرى الكثيرون في دفاعها عن السياسات المتشددة في إسرائيل كارثة على أمنها ومصالح أمريكا ومستقبل التعايش في المنطقة رافعين شعار "مؤيدون لإسرائيل. مؤيدون للسلام".
و أطلق مائة من المؤسسين اسم "جي ستريت" على المنظمة الجديدة تعبيرا عن الرغبة في إيجاد طريق جديد للسياسة الأمريكية تجاه الصراع.
ويعتبر جيرمي بن عامي المستشار السابق للسياسة الداخلية في إدارة الرئيس بيل كلينتون ودانيئيل ليفي المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق ايهود باراك- ونجل اللورد ليفي مبعوث بريطانيا السابق في الشرق الأوسط والباحث النشط في واشنطن- هما العقل المدبر للجماعة الجديدة.
*إعادة تعريف "تأييد إسرائيل"*
كانت الأصوات الوحيدة التي يصغي اليها السياسيون فيما يخص صناعة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تأتي من قلة عالية الصوت من أقصى يمين المجتمع اليهودي الأمريكي منهم المحافظون الجدد واليمين المتشدد والمسيحيون- الصهيونيون الراديكاليون.
وحوّل هؤلاء تعريفهم من موالاة إسرائيل الى التأثير في السياسة الأمريكية، بمعنى أن المنظمة الجديدة تركز على إعادة تعريف "تأييد إسرائيل" في العاصمة الأمريكية بعد أن صارت أفكار اليمين المتشدد والمحافظين الجدد هي المحددة لعلاقة أمريكا وإسرائيل.
ورغم أن الميزانية المبدئية للمنظمة الجديدة لا تقارن بقوة "إيباك" اليوم إلا أن المؤسسين يفضلون إستراتيجية جديدة تقوم على مساندة مرشحين بأعينهم من أنصار السلام في انتخابات الكونغرس المقبلة حتى يكون للجماعة صوت في دوائر صنع القرار في واشنطن.
ولن تسعى المنظمة الى تحدي النواب الدمقراطيين القدامى ممن يدينون بولاء تام لإسرائيل لا يقبل النقاش بل ستسعى الى بناء أرضية جديدة تدعم جهود السلام ولا تشجع امتداد الصراع بلا نهاية مثلما هو الحال اليوم بين صفوف "إيباك" وأنصارها، لذلك ستقف المنظمة وراء خمسة على الأقل من المرشحين الجدد في الانتخابات المقبلة.
ويحظر القانون الأمريكي على جماعات المصالح المسجلة رسميا جمع التبرعات لأغراض سياسية لكن يمكن لأذرع تابعة تسمى "لجنة العمل السياسي" العمل مع السياسيين المؤيدين لأهداف المنظمة الأم، لجمع تبرعات انتخابية.
وتضم قائمة المؤسسين السيناتور السابق لينكولن شافي والكاتب الشهير هنري سيغمان وماريا ايكافستي نائب رئيس فريق العاملين السابق في البيت الأبيض ومورتن هالبيرن مدير التخطيط في الخارجية الأمريكية سابقا وماركوس كونالاكس ناشر مجلة "واشنطن مانثلي" المعروفة وصامويل لويس السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل والباحث المعروف روبرت مالي وروبرت سولومنت إحدى الشخصيات اليهودية البارزة المؤيدة للمرشح الدمقراطي باراك أوباما وروبرت باستور المدير السابق في مجلس الأمن القومي وحنا روزنتال المدير السابق للمجلس اليهودي للشؤون العامة، بالإضافة الى العشرات من رؤساء المنظمات المروجة للسلام في الشرق الوسط وحاخامات بارزين وأساتذة جامعات وكتاب.
ومن داخل إسرائيل، أعلن عدد كبير مساندة المنظمة الجديدة منهم يوسي الفار مسؤول الموساد السابق وشلومو بن عامي وزير الخارجية الأسبق وافرام بورغ رئيس الكنيست السابق ودافيد كمحي المدير السابق للخارجية الإسرائيلية وداليا رابين النائبة السابقة لوزير "الأمن" والعديد من الجنرالات المتقاعدين وآخرون.
*أسلوب جديد للعمل*
يقوم أساس المنظمة الجديدة على إنهاء التأثير الطاغي للجماعات المتشددة واليمينية التي لا تعطي اليهود الليبراليين الفرصة للتحدث فيما يخص عملية السلام في الشرق الأوسط والدور الأمريكي في المنطقة.
ويقول جيرمي بن عامي ان التيار المحافظ بين اليهود الأمريكيين قد اختطف مصطلح "المؤيدون لإسرائيل" وهو ما لا يتفقون فيه مع الغالبية من اليهود الأمريكيين وغيرهم.
ووصف مراقبون في واشنطن التوجه الجديد بأنه يمثل تحديا لمنظمة "إيباك" الواسعة النفوذ والتي تبني شعبيتها على مناصرة السياسات الإسرائيلية دون مراجعة المسؤولين الإسرائيليين فيما يتخذونه من خطوات، خاصة أن المنظمة الجديدة ستجذب تمويلا وتبرعات من الجناح الليبرالي من المجتمع اليهودي الأمريكي المؤيد للسلام وفرض حل إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية جنبا الى جنب.
ويأمل المؤسسون رفع موازنة المنظمة الجديدة من 1,5 مليون دولار الى عشرات الملايين في القريب العاجل من أجل الوقوف في وجه "إيباك" التي يصل إجمالي ودائعها المالية إلى 100 مليون دولار، وعدد أعضائها الى 100 ألف شخص ولها مكاتب في 18 ولاية.
ومن العوامل التي يمكن ان ترفع حجم التبرعات للمنظمة الجديدة هو زيادة التبرعات عبر الإنترنت على غرار حملة المرشح الدمقراطي باراك أوباما اليوم، والتي صارت مصدر الهام كبير للقوى الليبرالية والتقدمية التي تريد كسر احتكار القوى التقليدية للعمل السياسي.
ووفقا لخبراء في السياسات الأمريكية- الإسرائيلية، فإن منظمة "جي ستريت" ربما لن تكون قادرة على مناطحة منظمة "إيباك" في تأثيرها الطاغي لكنها تخلق حالة جديدة يمكن أن تجسد الخلافات الفكرية والعقائدية بين فريقين من اليهود الأمريكيين بصورة لم تحدث من قبل.
كما أن منظمة المعتدلين في اللوبي الموالي لإسرائيل يمكن أن تمثل بداية جديدة للتواصل مع الأطراف العربية في الولايات المتحدة وخارجها من خلال السعي الى بناء أجندة مشتركة لعملية السلام في الشرق الأوسط في السنوات القليلة القادمة.
وتؤيد مجموعة "جي ستريت" الانسحاب الأمريكي من العراق والجوار مع سوريا وتجنب أية مواجهة عسكرية مع إيران وهو الموقف الذي يخالف تأييد "إيباك" لليمين الإسرائيلي.
وتفاوتت ردود فعل اليهود في الولايات المتحدة وخارجها بشأن المنظمة الجديدة حيث اعتبرها البعض خطوة ضرورية في توقيت مهم لتغيير دفة الحوار في واشنطن، فيما قال آخرون أن هؤلاء "مجرد جزء من اللوبي العربي ومجموعة من اليساريين الليبراليين ممن لا يقدرون حجم الخطر الذي تتعرض له إسرائيل".
ويقول دانيئيل ليفي: "كل واحد في واشنطن يؤكد اليوم أنه صديق لإسرائيل. لكن الصداقة التي تقول للمحتل أن يتمادى ويتمسك بكل سنتيمتر من الأرض المحتلة ليست صداقة. ولأنها تتحول الى صداقة مخادعة عندما ننفق سنوات أخرى في حماية الاحتلال وتغذية الرغبة في تدمير الذات".
إنّ الأرضية المشتركة حول القضايا الرئيسية بين مجموعة جديدة مثل "جي ستريت" والسياسيين العرب تؤكد ضرورة بناء جسر مع طرف جديد ومختلف في واشنطن وليس وضع الجميع في سلة واحدة.
الأحد 1/6/2008