أصر، سمير الجابر "ابو مفيد" ان يبيع فوقه وتحته ليوفر لابنه مفيد المبلغ المطلوب لدخول الجامعة، قاطع جزار اللحمة وبائع السمك معتمدا على شطارة زوجته "زهرة" ام مفيد، التي لا يناديها الا بـ "يا معدلة" قد ما هي مبدعة في تنويع مائدة الطعام بأجناس متعددة من البطاطا والباذنجان المطبوخة ومن مختلف انواع البقول والبقليات من اللوبيا والبامية والفول والعلت والخبيزة. واثبت مفيد انه قدها وقدود في الدراسة الجامعية، وان تعب اهله عليه لا يذهب سدى، فدائما كان من المبرزين في دفعته. ومثل كل الشباب اوقعه الغرام في شباك احدى زميلاته، والحب اعمى كما يقولون، فجمالها الفتان، طولها الفارع كعود الزان، عيناها النجلاوان، رشاقتها وبسمتها الخلابة جعلت مفيد اعمى البصيرة، يغض الطرف عن كثير من صفات الانسان الجوهرية والمحمودة مثل حسن الاخلاق، التواضع، الحكمة واللياقة في الحديث، شرف المسلك، الحلاوة والشلبنة في المرأة مجندة، ولا احد يريد ان يتصبّح او يتمسى بوجه يقطع الرزق او يتعوذ من الشيطان الرجيم، ولا ان تكون من يختارها قلبه "من برّة هالله هالله ومن جوّا يعلم الله". او بالعربي المشحبر "من برّة طقشة طقشة ومن جوّا حزا محشي"! تعرف مفيد على "سمر" في السنة السادسة الاخيرة من دراسته في كلية الطب في القدس، وسامته ومركزه المحترم بين زملائه جذبها اليه، ووقع في حبها وطمس حتى اذنيه من اول نظرة. وكانا من عالمين مختلفين لا ينطبق عليهما ابدا قانون ماركس حول وحدة الاضداد. فهوايته مطالعة الكتب العلمية والروايات الادبية وتتبع الاخبار السياسية، فمفيد يساري ابا عن جد. وسمر بالنسبة لها المطالعة والسياسة عالم غريب عنها وطبل اجوف من حيث الثقافة العامة، ولكنها خبيرة في مجال المكياج والكوسمتيكا وانواع العطور وفنانة في الرقص على الموسيقى الاجنبية، مفيد ابن شغيل عمار وسمر ابنة تاجر ملبوسات. كانت سمر تشحط مفيد الى نوادي الرقص الليلية، ومفيد يمني نفسه بأنه سيروضها بعد الزواج. وشعر والداه ان صحة ابنهما في تدهور، اصابه الهزال ووجهه صار اكثر اصفرارا من الليمون، ولم يفاتح اهله بحبه لزميلته سمر، واعتقد اهله ان الارهاق في الدراسة هو السبب في تردي صحته. حاول صديق طفولته خالد الصبحي ان يثنيه، ويقول له دائما "البس الثوب الذي على قدك" و "المشاباة الى الاعالي تتعب رقبتك" ولكن دون جدوى، وفي احد الايام عزممفيد زميلته سمر للتعرف على اهله في قريته واخبر والديه بالامر وان يبيضوا وجهه، ولم تقصّر امه في الواجب، وعلى غير عادة حضّرت صينية محمّر وفلفلت رز مع لحمة وجبلت لجن كبة، وعندما جلسوا حول طاولة الغداء برز القرف على محيا سمر ولم تلمس يداها الكبة وقالت لمفيد "ياه بعدكو متوحشين بتوكلو الكبة مع لحمة نية". فكظم مفيد غيظه، حاول والده توجيبها بتقديم قطع دجاج المحمر لها، فقالت شكرا معدتي لا تتحمل الاكل الحراقي، آكل شنيتسل و"باجيت"! وبعد الاكل فتحت سمر طاقة في رأس مفيد مطالبة بالرحيل، فالهسهس استهدى على لحمها البض، ولم يعجبها بيت اهل مفيد المتواضع بكل ما يحتويه، ولم تستطع سمر اخفاء كشرتها التي صارت رطلا وتطرّح الحبلى. قبل ان يرحلا عن القرية نادى سمير الجابر ابنه مفيد، اخذه على جنب وقال له: دفعنا دم قلبنا حتى نوفر لك العلم والسعادة، والحياة يا ابني من عسر الى يسر، فيها طلعات وفيها نزلات، يوم عسل ويوم بصل، زميلتك يا مفيد مش من نسبنا، عالمها غير عالمنا، فكر مليح يا ابني حتى لا تجلب التعاسة لنفسك ولنا. في الجامعة اخذت سمر تتمسخر على حياة ومعيشة الفقر والجهالة التي يحياها اهل مفيد، وشعر مفيد ببرودة علاقته معها، قبل احتفال التخرج جلس مفيد مع سمر في احدى الزوايا، قال لها، بعد اسبوع سيكون تخرجي، مشيت معك اكثر من سنة، آن الاوان لنقرر امرنا، اريد ارسال جاهة لخطبتك، ما رأيك؟ رأيي ان تبدأ بالعمل اولا وتبني دارا وتقتني سيارة لك وسيارة لي وبعدين بفكر اوافق على الزواج من ابن عائلة الفقر!! نظر اليها باستهزاء وقال: "صحيح ان ثوبك لا يلائمني وسار مسرعا".