في اجتماعها الاخير قررت سكرتاريا الجبهة القطرية، والذي انعقد في حيفا، اقامة مجموعة من طواقم العمل الجبهوية التي تهتم بجوانب متعددة وقضايا هامة تحظى باهتمام الجبهة كتنظيم سياسي يلتفت الى قضايا المجتمع من كافة جوانبها. ان هذه الطواقم تسعى لدراسة تلك القضايا من باب رفع مستوى النشاط الجبهوي الجماهيري، وتكثيف العمل والمعالجة الصحيحة للقضايا المقلقة التي تشغل بال الجبهويين والناس عموما.
ومن هذه الطواقم قررت اقامة طاقم يهتم بالعناية باللغة العربية كلغة جمهور عربي مميز ضده من كافة النواحي، وبالذات محاولة طمس المعالم العربية والشخصية العربية عن طريق تذويب شخصيتها وتغييب لغتها بقطعهم عن الامتداد التاريخي العريق والامتداد الجغرافي مع الشعوب العربية التي يوحدها بلا شك اللغة العربية.
ان القرار باقامة هذا الطاقم لهو دليل ساطع على ان الجبهة تخشى على الماضي والحاضر والمستقبل لهذه الجماهير المضطهدة من قبل المؤسسات الحكومية الرسمية ذات العلاقة بالتربية والتعليم.
ان اقامة هذا الطاقم هو الرد الوطني والجبهوي على كل سياسات التجهيل والتمييز، هذه السياسات التي تريد رمينا بمقتل الانقطاع عن تراثنا، تاريخنا، رموزنا الثقافية والحضارية، عبر هذه المسيرة التاريخية العريقة التي تقطر عزّا وانسانية وثقافة غذّت ابناءها وابناء الامم الاخرى في المشارق والمغارب.
وعلى هذا تأتي هذه الورقة اسهاما مني في بداية الاهتمام بطرح قضايا اللغة وعلى كافة جوانبها، آملا ان يتلو هذه الورقة الاولى اهتمام الآخرين، ليسهموا باسهاماتهم في هذا المجال.
* توطئة:
يعبّر هذا المنحى الجبهوي المتميز باتجاه العناية باللغة العربية والتعهد بصيانتها وحماية شؤونها، يعبر عن البرهان الاسطع والدليل الارقى، على ان الجبهة الدمقراطية، كتنظيم سياسي واجتماعي ووطني تمتلك كل المعالجات والطروحات والاجوبة لكل ما يشغل بال الجماهير العربية في اسرائيل من قضايا، بما في ذلك قضية اللغة العربية، كمعْلم بارز: ذي علاقة وطيدة بقضية الوجود المادي والوجداني والمعنوي على ظهر هذا التراب الاسمر.
فاللغة هي انعكاس الوجود والحضور وصورة الاستمرار والبقاء، وهي الوسيط الاجتماعي الاساسي بين الافراد، الذين يكونون به ويتكونون به مجتمعا له ملامحه الخاصة ودعائمه المتميزة، وهي وعاء التفكير ودالته واداته، وهي مخزون التراث الحضاري والتاريخي والانساني المتداول من عظمة السلف الى ان يكون سلاحا بضمير الخلف ووجدانه.
واللغة العربية هنا في اسرائيل، لغة الجماهير العربية الفلسطينية المضطهدة، كالارض المهددة بالسلب والمصادرة، كالبيت المهدد بالهدم، كالزيتون المهدد بالاقتلاع، كلقمة العيش المهددة بالفصل والتجويع والتركيع.
اللغة العربية كالوجود العربي مهددة بالتغييب والطمس، فإذا غابت غبنا، فهي وجه شخصيتنا المنبثق من اعماق الوجدان وتراكم التاريخ والمنعكس المادي على سمرة هذا التراب.
ان استهداف اللغة لا يقل خطورة، بل يزيد، عن استهداف التاريخ والجغرافية والثقافة والدين، لأنها محصّلة جامعة لكل ذلك. وهنا تحضرني اشارة تاريخية من القدم، اين السومريون؟ واين البابليون والآشوريون والفينيقيون؟ ألم تكن لهذه الشعوب حضارات ولغات وعواصم ومدن؟ ألم يكونوا موجودين في حيّز زماني ومكاني؟ اين هم الآن؟ لماذا فقدوا القدرة على البقاء والاستمرار؟ سنكتشف ان لغاتهم ذهبت فذهبوا! اندرست معالمهم فاندرسوا!
واشارة تاريخية حديثة، فلننظر في جواب الشاعر الجزائري العربي مالك حداد، الذي حرمته الفرنسة والاستعمار الفرنسي من لغة روحه، فبعد التحرير كان يعلّم ابنه العربية فقال لصديق: "حين اعلّم ابني اللغة العربية، فأنا حقيقة انتقم من الفرنسيين".
علينا الا نصل للأسرلة والعبرنة والانتقام، فلندرك قبل فوات الاوان، ان علينا واجبا شخصيا وقوميا واخلاقيا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا نحو الملك والمدخر الوجودي والانساني، يجب الا تضيع لغتنا ما دام فينا حرف ينبض، وما دام فيها قطرة دم تتدفق.
هذا هو منطلقنا الجبهوي والوطني نحو لغتنا القومية، ونحو اجيالنا القادمة "لئلا تضيع" فنضيع.
* القضايا الملحة: (اوراق قادمة)
ثمة مظاهر لغوية لافتة للنظر ومثيرة للاهتمام. لا بد من التداول بها وطرحها ومعالجتها على ضوء واقعنا كأقلية عربية فلسطينية في هذه البلاد. مظاهر مقلقة صارت تتسرب وتعشش في ثنايا حياتنا وخبايا نفوسنا وبقايا كلامنا:
- اللغة العربية كقضية سياسية
- اللغة العربية كقضية وجودية ومصيرية
- اللغة العربية كقضية تاريخية وحضارية
- اللغة العربية كقضية تعليمية وتربوية
لا يمكن ان نغفل عن الوشائج الجدلية بين القضايا المطروحة اعلاه، ومن هذه القضايا الكبرى، يمكننا الذهاب الى قضايا الواقع والملموس:
- تسمية الشوارع والساحات في قرانا ومدننا بأسماء عربية من تاريخنا وحضارتنا ورموزنا وشهدائنا.
- دور المجالس المحلية والبلدية والمؤسسات الاخرى، من خلال تفعيل اللجان المختصة بهذا الموضوع.
- تسمية المتاجر والمكاتب والمرافق العامة والخاصة بأسماء عربية، ولا بأس ان كانت العبرية من تحتها.
- مطالبة سلطة الشوارع الحكومية بكتابة اسماء المدن والقرى والمواقع المختلفة، على اليافطات بالعربية، وبالعربية الصحيحة، ولا بد من لجنة خبيرة من العرب ترافق وتراقب هذا الامر.
- مراقبة موضوع اللغة العربية في المدارس، المناهج، الاهداف وطرق التدريس، والتحصيل المتدني، والاخطر من ذلك كله ملاحقة ظاهرة الهوّة التي تتسع بين الطالب العربي واللغة العربية، ودراسة كيفية المعالجة لتضييق هذه الهوة.
- يجب الاهتمام من الجبهة، وبشكل مكثف في تكثيف الندوات والمحاضرات في النوادي حول هذا الموضوع، ومن تفاصيله: تنمية القراءة باللغة العربية، الاتحاد كجريدة عربية، الاعتزاز اللغوي، اللغة كمستقبل، التراث اللغوي، الرموز اللغوية، التعبير اللغوي، الشعر، القصة، الرواية والمسرحية وغير ذلك من الانواع الادبية، تنمية الذوق الادبي والاحساس بالجمال الفني.
كل هذا وغير هذا يأتي لتخلق شخصية عربية فردية وجماعية عزيزة على النيل من اعتزازها بالانتماء الى هذه الحضارة والتاريخ والجمال، عصية على الطمس والتغييب، امام جحافل التجهيل والتمييز والتهويد القادمة من المحافل الرسمية الاسرائيلية. ولا بد من الاشارة اننا انتصرنا في الجولات الاولى من هذه المعركة على طمسنا، ولكن امامنا جولات وجولات.. جحافل الظلام تتقدم.. علينا ان نواجه من جديد وعلينا ان ننتصر كما انتصرنا اول مرة لنخرج من الظلمات الى النور.
(انتهى)
(كابول)
* عضو سكرتارية الجبهة القطرية
علي هيبي
السبت 24/5/2008