كانت تسيرُ بين خطينِ متوازيينِ.....................
قالت له: والدموعُ تموجُ في عينيها :
اذهب يا ولدي أسرع الخطى ،فالطريقُ ما زالت أمامَكَ طويلةً ،لا تدع يا ولدي شوكَ الطريقِ يأكلُ خطواتِكَ .
نظرَ إليها والحسرةُ تلتفُ حولَ قلبهِ الصغير ،وهو يكادُ يختنقُ ، ما بين الخطينِ ما بين النظرتينِ.
نظر الى الجبلِ الممتدِ إلى حزنهِ ،الفاصلِ بينَ الوطنِ واللاوطن .
عصفَت روحهُ ألماً ،وهو يرى يدَ أمهُ الممتدةَ نحوهُ ونحو الوطنِ المتروكَ خلف جدائِلِ شعْرِها ،تنقبضُ وتسقطُ فوق صدرِها المتأججِ لوعةً ،تغمضُ عينيها ،لتعانقُ المدى البعيد............ المتروكَ على قارعةِ الموت.
ارتمى فوق صدرِها يناديها.............لا يا أماه.............لا يا أماه
ما زال الوطنُ معلقاً بأطراف ثوبكِ لؤلؤةً أستدلُ بها خطواتي ،التي ما زالت في جيوبِ الغيب.
رفعَ رأسهُ نحو السماءِ ،وكان الصمتُ حليفاً لآهاته .تشجعَ وحفرَ قبرَ أُمهِ بيديه الصغيرتين.
نظر إلى الوراءِ بعد أن سارَ بضعَ خطواتٍ ،إذ بشعلةٍ.... تخرجُ من قلبِ القبرِ تضيُء عتمة المكان والزمان.....سمع صوتاً ..
سر يا ولدي فما زالَ قلبي وقلب الوطنُ معك،فالحصانُ المربوطُ في ساحةِ الدارِ ينتظرك.
تبسم وقال في قرارة نفسه:
عندما نمتلىء بأحاسيسٍ جياشةٍ، نبحثُ عن وطنٍ نمطرُ به عطرَ أفراحِنا.ولكن نحن شعبٌ بلا وطنٍ، نتقاسمُ أرغفةَ الحزنِ على بواباتِ ووطنِنا المفقودْ ......في كتب التاريخ،ونحملُ جوازاتَنا الضائعةَ ،ونرتقبُ بزوغِ صبحٍ يتسمُ بألوان التغيير ، ونعودُ من غربةِ الأوطانِ، لندثرَ أحزانَ غربتِنا .
وقال : تكونُ أجملَ الصباحاتِ، عندما نستيقظُ على وطنٍ ،وأنا سأحملُ الوطنَ هماً على كتِفيَ... وأسيرُ.......................... وسارَ.....وسارَ
ولكنه توقفَ...توقفَ يعانقُ ذاكرتَهُ قبل ستين عاما،عندما عبرَ طريقَ الصمتِ
تأملَ قبرَ أمهُ وقال:
أتدري ...أتدري يا أماه............
ستون عاما مرت ،وما زالَ الحلمُ معلقا على حبلِ غسيلِكِ.
طمره
وفاء عياشي بقاعي
الخميس 22/5/2008