رغم انشغالي بأمور شخصية جدا، قررت أن أرافق عرض مسرحية " اسمي راشيل كوري" في مجدل شمس، في الجولان الجميل بطبيعته وبناسه، انطلقت سيارة الأجرة بنا من حيفا في الساعة الواحدة ظهرا، وعند مشارف صفد اختار السائق الطريق الأقصر، وإذ بنا، وبعد خمسة كيلو مترات، نقرأ لافتة: الطريق مغلقة. فاضطررنا أن نمشي في طريق ترابية، صعبة، مشينا أكثر من عشرة كيلومترات بسرعة بطيئة جدا، إلى أن وصلنا طريقا رئيسية، واهتدينا إلى المسار الصحيح، اعتلينا جبال الجولان، جمالها يحتاج إلى وحي خاص لوصفها...وصلنا بعد أربع ساعات من انطلاقنا من حيفا. استقبلنا نائل من تجمّع الجولان السوري، وقال لنا: نحن ذاهبون إلى البراد. فقلت له: نحن الآن بحاجة إلى فرن، وليس إلى براد. البرد كان قارسا جدا، وأنا لم أحتط لذلك.
عند نزولنا المنحدر إلى البراد، أطل علينا مشهد صناديق بلاستيكية صفراء، مئات، بل آلاف الصناديق، لم أفهم لماذا نحن هنا، عل نائل أراد لنا جولة سياحية في مجدل شمس؟
توقفت السيارة، خرجت خائفا من البرد، وأسرعت داخلا إلى بناية ضخمة، شاسعة، نظرت إلى اليسار، كانت هناك ماكنات تصنيف الفواكه، وبالتحديد فاكهة التفاح، تفاح الجولان، والى يمينها جدار على علو خمسة أو ستة أمتار من الصناديق البلاستيكية الصفراء، التي تتسع كل منها لأكثر من طن من التفاح. لم يهيئني أحد للمشهد القادم، ولم يحك لي أحد، استمررت بالجولة، وإذ بي أدخل من خلال فتحة جدار خلفي من الصناديق الصفراء.كراسي بلاستيك مرتبة في صفوف، أنظر إلى الأمام، إضاءة تضيء ديكور راشيل، نزار على السلم يوجه الإضاءة، أقترب لأشاهد المنصة، تلك الصناديق الصفراء البلاستيكية المتينة، وضعت عليها ألواح الخشب، والى اليسار حائط، من الصناديق ذاتها، وجدار خلفي من الصناديق، التي كونت قاعة مسرح.
ذهلت للفكرة... شباب تجمّع الجولان السوري حولوا البراد إلى قاعة مسرح، وبالفعل شعرت أنني داخل مسرح مهيأ لعرض المسرحية...نظرت إلى وجه " لنا زريق"، راشيل، لأقرأ السؤال على وجهها: ماذا علي أن أفعل؟ ولكني كنت متأكدا أنها طرحت على نفسها السؤال، ليس خوفا، إنما لتحضر نفسها لتقديم عرض خاص أما جمهور مسيس بامتياز، ومنضبط في توقيت حضوره "للمسرح ". في الناصرة وفي حيفا يبدأ عادة عرض المسرحية بتأخير نصف ساعة، ولكن في مسرح البراد كان الجمهور جاهزا بتأخير عشر دقائق فقط. وكانت الخطورة أن يبدأ العرض بالوقت المحدد له، ولكن التأخير الطفيف هذا أنقذنا، واستطاعت لنا أن تتأقلم بسرعة البرق.
صفق الجولانيون والجولانيات، صفق السوريون، ووقفوا تقديرا للعرض وللنا. تهافتت صبايا الجولان الجميلات، الفاتنات على لنا ليهنئنها على أدائها. وأنا...؟ لم ينقرض ذهولي من على وجهي، توجهت إلى الشباب لأحييهم على جهدهم، وعلى تلك الفكرة، وقررنا أن نعطي اسما لهذا المسرح " مسرح البراد".
كان هذا العرض العاشر للمسرحية، حضره قرابة الـ 250 شخصا، جلسوا على كراسي البلاستيك، غير المدرجة، ولم " يتمقتوا"، هدوء وتواصل تام مع المسرحية التي استغرقت ساعة ونصف الساعة، على ما يبدو أن راشيل لنا أنستهم كرسي البلاستيك، وأن حكاية راشيل قد دخلت إحساسهم وعقلهم ووعيهم، إحساس وعقل الجولانيين السوريين، الذين ينتظرون احتضان أمهم سوريا لهم...
سألت نائل في مقهى النعنع، بعد العرض: كيف سيتعامل بشار الأسد مع وعيكم، هل سيتحمل هذا الوعي المتراكم لدى شباب الجولان؟ قال نائل: لا أفكر بهذا اليوم، أفكر فقط أن يعود الجولان.
عدت إلى الناصرة بعد أن التقط داخلي صورا لجمال الجولان وجمال أهله، إنهم جزء من هذه الطبيعة الخلابة، كلامهم، لهجتهم، لغتهم التي تخرج من داخلهم مع لحن أسطوري يوازي أسطورة جبال الجولان.
رياض مصاروة
الثلاثاء 20/5/2008