إنتهت امس الاول الاحد، جولة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش في كل من اسرائيل والسعودية واختتمها بالمشاركة في "منتدى دافوس الاقتصادي" في منتجع شرم الشيخ المصري الذي حضره اكثر من مئة وخمسين شخصية سياسية واقتصادية من سبعين دولة، بما في ذلك رؤساء وملوك كل من مصر والاردن والسلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة الدمى العراقية وحكومة الدمى الافغانية وغيرهم. وفي اسرائيل اكد الرئيس الامريكي، جورج دبليو بوش، حقيقة ما اكدنا ونؤكده دائما حول الموقف الامريكي المنحاز بشكل صارخ وسافر الى جانب العدوانية الاسرائيلية، وتنسيقه المستمر مع حليفه الاستراتيجي اسرائيل في نسج خيوط برامج التسوية السياسية التي تنتقص من الثوابت الاساسية للحقوق الوطنية الفلسطينية المسنودة بقرارات الشرعية الدولية. وفي خطابه في الكنيست اثناء مشاركته في احتفالات اسرائيل بمرور ستين سنة على قيامها، كان بوش واضحا في خطابه تمام الوضوح. فقد اطلق "رصاصة الرحمة" على المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، على مفاوضات "طحن الماء" وعلى رؤيته بقيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل حتى نهاية العام الفين وثمانية الحالي وقبل انتهاء فترة رئاسته في "البيت الابيض"، واعتبر رؤيته بمثابة "حلم" "وانتظر يا كديش تيطلع الحشيش" وتقام دولة فلسطينية. لقد استفز بوش واستهتر بخطابه في الكنيست بالشعب الفلسطيني وبحقوقه الوطنية والذي كان يحيي مرور ستين سنة على نكبته وعلى جرحها النازف دما حتى يومنا هذا!! لقد عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن غضب الشعب الفلسطيني والعرب من موقف بوش المنحاز والحادي الجانب الى جانب اسرائيل، وطالب بوش وادارته "بالحد الادنى" من الحياد على ساحة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني.
ورغم موقف بوش الواضح في الكنيست الاسرائيلي الا ان العديد من الاوساط الرسمية وغير الرسمية، العربية والاجنبية، حاولت عشية مشاركة بوش في المنتدى الاقتصادي في شرم الشيخ المصرية نشر الاوهام بان بوش يحمل في جعبته "مفاجأة" خير للفلسطينيين والعرب، وهذا سيكون في مركز خطابه امام المنتدى. والقى بوش خطابه "وتمخّض الجبل فلم يلد حتى فأرا"، "ومع ان المنتدى اقتصادي، وما يشغل بال وحياة ومعيشة الملايين من الفقراء، خاصة في البلدان النامية بسبب الارتفاع الجنوني في اسعار الاغذية والنفط والتي تتحمل الامبريالية الامريكية القسط الاكبر من ازمة ارتفاع اسعار الاغذية واسعار النفط، بسبب انخفاض سعر صرف الدولار الامريكي وتأجيج الصراعات الدموية المسلحة في العديد من البلدان، في العراق المحتل والصومال واثيوبيا وبورما وفلسطين المحتلة وغيرها، رغم ذلك فان بوش تجاهل المسؤولية الامبريالية ووضع رأسه مثل النعامة في الرمال. وفي حديثه عن القضية المحورية، القضية الفلسطينية، عاد بوش الى ترديد انغام اسطوانته المهترئة، عن امكانية اقامة دولة فلسطينية حتى نهاية العام الجاري، ولكن هذا يتطلب تنازلات من الطرفين. والمدلول السياسي لهذا الموقف ان الادارة الامريكية لم تمارس أي ضغط على حليفها الاستراتيجي للاقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية. وقد عكس لقاء بوش على انفراد مع مختلف اطراف الصراع، مع الرئيس المصري والملك الاردني والرئيس الفلسطيني انه لا يحمل اية بشائر تفاؤلية بالنسبة للحقوق الفلسطينية المغتصبة اسرائيليا وبالدعم الامريكي، وان محور الشر الامريكي – الاسرائيلي متمسك بالمواقف المعادية للحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، للحق في الحرية والدولة والقدس والعودة. وقد حاول بوش في خطابه تبرئة ذمة المحتل الاسرائيلي من مسؤوليته بافشال المبادرات والجهود السلمية العربية والاجنبية، وبالمقابل اتهام حماس بأنها مسؤولة عن تقويض جهود السلام ومواصلة اعمال العنف والارهاب!! طبعا لم يتحدث عن ارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم بفرض حصار الجوع على مليون ونصف مليون فلسطيني، وارتكاب المجازر الدموية وجرائم الحرب ضد المدنيين، النساء والاطفال والمسنين والمقاومين في المناطق المحتلة وخاصة في قطاع غزة.
لقد خصص بوش القسط الاكبر من خطابه في التحريض على "الارهاب" وخاصة المطالبة بمحاربة حماس وحزب الله الارهابيين وعزل ايران وسوريا! واتخذ بوش موقف الداعية للاصلاحات الدمقراطية وتقمّص دور الواعظ باطلاق سراح المعتقلين وبتوسيع اطار الدمقراطية في مصر وغيرها، يريد دمقراطية شبيهة بدمقراطية "العم سام" في العراق وافغانستان وفلسطين المحتلة التي تبيح المجازر وقتل الملايين من المدنيين والدوس على حرية وسيادة هذه البلدان.
ان السؤال الملحّ الذي يطرح نفسه بكل حدة هو، ماذا بعد فشل هذا النهج من التفاوض الذي يعتمد على "حسن نوايا" محور الشر الامريكي – الاسرائيلي، وهل يمكن "قطف الدبس من قفا النمس" عن طريق الحوار السياسي؟
صحيح ان اهل مكة ادرى بشعابها وان قادة الشعب الفلسطيني ومختلف فصائل مقاومته والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، هي اولا وقبل كل شيء صاحبة القضية والمسؤولة سياسيا واخلاقيا بالجواب على هذا السؤال المصيري على ضوء تعثر وفشل النهج التفاوضي القائم برعاية الامبريالية الامريكية! ونعتبر انفسنا من "اهل مكة" فالشعب الفلسطيني هو شعبنا الذي نعتز بالانتماء اليه كمركب من مركّبات هويته الوطنية ويهمنا جدا مصيره، كما اننا في نفس الوقت مواطنون في دولة اسرائيل نناضل ضد ذئب العدوان والاحتلال الاسرائيلي في وكره، ومن اجل انجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية، كمحك اساسي لبناء قواعد السلام والامن والاستقرار في المنطقة. وبرأينا المتواضع ان واجب ومسؤولية جميع الحريصين على تضميد جراح النكبة الفلسطينية وانجاز الحق الوطني الفلسطيني بالحرية والدولة والقدس والعودة الاسهام في عملية تقييم هذه المرحلة بهدف تقويم المسار الكفاحي. وفي هذا السياق اود الاسهام بدوري المتواضع في طرح الافكار التالية:
* اولا: برأيي ان الاعتماد على مقولة الرئيس السادات المتخاذلة بان تسعة وتسعين في المئة من اوراق الحل بأيدي امريكا قد اثبتت الايام عدم صحتها، لأن ذلك يعني وضع الامبريالية الامريكية بديلا للشرعية الدولية، اضافة الى الموقف الامريكي المنحاز والمساند للعدوانية الاسرائيلية.
* ثانيا: برأينا ان نهج المفاوضات المتبع، ترك الطرفين الاسرائيلي – والفلسطيني وحدهما يتفاوضان تحت راية الرعاية الامريكية اثبت انه نهج خاطئ يجعل الطرف الاضعف، الفلسطيني، تحت رحمة جرجرة مفاوضات "طحن الماء" دون حسيب او رقيب، وبدون مراقبة الشرعية الدولية في الزام الطرف الاسرائيلي بتنفيذ التزاماته التي تقرها الشرعية الدولية.
* ثالثا: انهاء حالة الانقسام بين الضفة والقطاع، بين حماس وفتح، بتراجع حماس عن انقلابها العسكري ضد الشرعية الفلسطينية، فتحالف الشر الاسرائيلي – الامريكي يستفيد من هذا الانقسام من خلال محاولة الابتزاز السياسي من الطرفين.
* رابعا: اعادة اللحمة الى وحدة الصف الوطنية الكفاحية الفلسطينية وفق برنامج يقره الحوار الدمقراطي الفلسطيني، وحدة تتمسك بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير قابلة للتصرف، وحدة تعمل وفق برنامج لتجنيد مختلف القوى العالمية المناصرة لحق الشعب الفلسطيني بالتخلص من نير الاحتلال الاسرائيلي، واقامة دولته المستقلة في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق اللاجئين بالعودة وفق قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194.
* خامسا: اعادة تنشيط منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني والعمل لدخول حماس والجهاد الاسلامي تحت سقف منظمة التحرير.
* سادسا: تصعيد الكفاح داخل اسرائيل من خلال اوسع جبهة سلام يهودية – عربية، تصعّد كفاحها السياسي – الجماهيري لانهاء الاحتلال الاسرائيلي – الاستيطاني للمناطق الفلسطينية والسورية ومزارع شبعا اللبنانية واقامة الدولة الفلسطينية، كشرط لا بد منه لضمان الامن والاستقرار والسلام في المنطقة.
الطريق لانجاز السلام العادل نسبيا الذي يضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية لا تزال وعرة وشائكة وطويلة، ولكن بالاصرار على التمسك بثوابت الحقوق الوطنية الشرعية والاستعداد للتضحية في سبيلها، فانه لا مفر من بزوغ فجر الحرية والاستقلال في آخر نفق الليل المظلم.
د. أحمد سعد *
الثلاثاء 20/5/2008