تكثر في الآونة الاخيرة التصريحات من قبل بعض قادة الاحزاب الصهيونية، عن الموقف من قضية قيام الدولة الفلسطينية وقضية الجماهير العربية في اسرائيل. وكان آخر هذه التصريحات تصريح وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني عندما قالت "ان الفلسطينيين يمكن ان تكون لهم دولة فلسطينية عندما يلغون كلمة نكبة من قاموسهم"، في الواقع لم اتفاجأ لسماع مثل هذا التصريح خاصة وان القادة الاسرائيليين يتسابقون في التصريحات الغبية والعنجهية، ولكن ان يصدر عن وزيرة الخارجية التي من المفروض ان تكون اكثر دبلوماسية وهذا ما كنا نتوقعه. كما لم اتوقع منها هذا الغباء السياسي الى هذا الحد. أي انسان عاقل مهما كان لا يمكن ان يطلب من شعب حلت به مثل هذه المآسي والويلات التي حلت بشعبنا العربي الفلسطيني انكار هذه المآسي والويلات وهذه النكبة التي بدأت ليس فقط من سنة 1948 ، بل منذ وعد بلفور المشؤوم حتى يومنا هذا.
هل يمكن انكار ان السكان الاصليين في فلسطين بأكثريتهم قد رُحلوا من وطنهم وان اناسا غرباء جاؤوا من مختلف اقطار العالم وسكنوا في بيوتهم، او على انقاض الذين هُجروا من مدنهم وقراهم. ان نكبة شعبنا العربي الفلسطيني لم ولن تحدث لأي شعب في التاريخ لا القديم ولا المعاصر، اللهم الا اذا استثنينا الهنود الحمر في الامريكيتين.
ان الشعب الفلسطيني كان يعيش بشكل هادئ نسبيا في وطنه ومعه يعيش في هذا الوطن وبمحبة واخوّة مجموعة ليست قليلة من اليهود الفلسطينيين ايضا، حتى جاءت الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني وبدأوا بمؤامراتهم وفلسفاتهم الجديدة ضد هذا الشعب الآمن والاعزل، من جانب بدأت الحركة الصهيونية تبث مقولة عودة اليهود الى ارض الميعاد. وان ارض الميعاد هذه هي الارض التي وعد الله بها الشعب اليهودي، وفي اعتقادي ان هذا القول هو في الواقع نجن على الله لأن الله لا يمكن ان يكون الا عادلا، ولذلك لا يمكن ان يعد او يعطي ارضا لشعب آخر او يقبل ان يعيش شعب على انقاض شعب آخر. ان الشعب العربي الفلسطيني يسكن هذه الارض منذ آلاف السنين وان هذه الارض ليست كما يسمونها اليوم بأنها ارض اسرائيل، لقد عرفت قبل ذلك بكثير انها ارض كنعان ومن المعروف تاريخيا ان الكنعانيين هم عرب اقحاح، ولا يمكن لأي قوة مهما حاولت ان تنكر او تشوه تاريخ هذا الوطن الغالي على اصحابه الاصليين.
وجاء الاستعمار البريطاني الذي استعمر هذه البلاد بموجب اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة التي عقدها الحلفاء بينهم خلال الحرب العالمية الاولى والتي بموجبها قسّموا الغنائم بينهم بعد انتصارهم في هذه الحرب. والتي على اساسها في سنة 1917 اعطى ايضا وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا لقيادة الحركة الصهيونية باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وكأن فلسطين ملك بريطانيا الشخصي. وطبعا لا ننسى دور الرجعية العربية في هذه المأساة.
ان هذا التصرف العدائي تجاه الشعب العربي الفلسطيني من قبل الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني، هو في الواقع، الامر الذي خلق العداء الذي ما زال مستمرا منذ ذلك الوقت، مع هذه القوى التي ابتلي بها شعبنا العربي الفلسطيني، وهم سبب نكبته، التي يريدون ان ننكرها على انفسنا. وان الواقع الذي يعيشه الشعب العربي الفلسطيني وعمليات القتل والترحيل المستمرة فان في نكبته ومأساته هذه لا تقل عن المأساة التي حلت باليهود في المانيا النازية. فيا حضرة الوزيرة هل انت مستعدة حتى ان تسمعي احدا يطالبك بالغاء الكارثة من قاموسك والتي حلت بيهود اوروبا في تلك المرحلة؟!! انا على ثقة انك سترفضين سماع هذا الطرح بشكل قاطع وليس فقط اليهود سوف يرفضون ذلك بل كل الانسانية التقدمية في مختلف انحاء العالم سوف ترفض، ليس من باب التعاطف مع اليهود في اوروبا فقط، بل من باب الحقائق التاريخية التي لا يمكن انكارها مهما كان الواقع الذي نعيشه اليوم في هذا العالم الذي يسمونه المتحضّر.
هكذا هي قضية شعبنا التي لا يمكن تجاهل او انكار النكبة الكبرى التي حلت به مهما حاول جميع المزيفين للتاريخ ان يزيفوا هذا الواقع المأساوي الذي ما زال يعيشه شعبنا العربي الفلسطيني.
ان الحقيقة التاريخية تؤكد ان الشعب العربي الفلسطيني وقيادته المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، عندما قبلت بقيام الدولة الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران، كانت قد قدمت اكبر تنازل تاريخي لأنها تعمل بصدق من اجل تحقيق السلام الاسرائيلي الفلسطيني. وهذا عمليا تنازل كبير من اجل السلام بالرغم من انه ليس سلاما عادلا بل سلاما من اجل حقن الدماء لشعبي هذه البلاد.
ان القيادة الفلسطينية لم تطالب بتنفيذ قرار الامم المتحدة سنة 1947 الداعي لتقسيم فلسطين كدولتين لشعبين. ومقابل هذا كله حتى اليوم لم يبد أي قائد سياسي بعد رابين أي تنازل للفلسطينيين. ان جميع رؤساء حكومات اسرائيل المتعاقبة يتجاهلون هذا التنازل واهميته، هذا الموقف الهام الذي ابدته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة القائد خالد الذكر ياسر عرفات، هذا القائد التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني.
على حكام اسرائيل ان يكفوا عن التحدث باستعلاء وعنجهية مع الشعب الفلسطيني وقيادته. بل عليها التحدث بلغة واقعية وندية وان يفهموا بشكل واضح، ان الشعب الفلسطيني وقيادته قد تنازلوا كثيرا ووصلوا الى الزاوية ولا يمكنهم وليس معهم تفويض للتنازل اكثر.
ان حكام اسرائيل لا يمكن القول انهم تنازلوا لأنهم يسيطرون على ارض محتلة وليست لهم، ان قبول الطرح الذي يطرحه الفلسطينيون اليوم هو الحل الممكن في مثل هذه المرحلة. لأنه لا يمكن لأي قيادة مهما كانت ان تقبل بأقل من دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشريف وحل عادل لقضية اللاجئين.
وليكن معروفا ايضا انه حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية سوف نحيي ذكرى النكبة التي لا يمكن ان تمحى من ذاكرة هذا الشعب مهما طال الزمن.
(عرابة البطوف)
توفيق كناعنة *
الثلاثاء 20/5/2008