*ازاء عملية سلب الاوقاف الاسلامية وسن قانون "القضاة الشرعيين" الذي لا يتلاءم والشرع الاسلامي، بادر الحزب الشيوعي للعمل على اقامة لجنة مبادرة من اجل توحيد الجهود والعمل على عقد مؤتمر اسلامي دفاعا عن الاوقاف الاسلامية، ومن اجل العمل على الغاء قانون القضاة الشرعيين. وبعد عمل متواصل من اجل هذا الهدف جرى عقد المؤتمرالاسلامي في عكا بتاريخ 18-6-1961 تحت شعار "ليتسلم المسلمون زمام امورهم"، بمشاركة أبناء جميع الطوائف*
من المعروف ان الاوقاف الاسلامية استولت عليها السلطات الاسرائيلية منذ قيام الدولة وهي تتلاعب حتى الان بمصير هذه الاوقاف. وفي تلك الفتره أي في سنوات الستينات الاولى ازدادت عملية سلب الاوقاف الاسلامية وكذلك سن قانون عرف بقانون "القضاة الشرعيين" الذي لا يتلاءم والشرع الاسلامي. وعلى اساس هذا الواقع وبمبادرة من الحزب الشيوعي جرى العمل على اقامة لجنة مبادرة من اجل توحيد الجهود والعمل على عقد مؤتمر اسلامي دفاعا عن الاوقاف الاسلامية ومن اجل العمل على الغاء قانون القضاة الشرعيين. وبعد عمل متواصل من اجل هذا الهدف جرى عقد المؤتمرالاسلامي في عكا بتاريخ 18-6-1961 تحت شعار "ليتسلم المسلمون زمام امورهم" وفي هذا المؤتمر كانت المطالبة باقامة مجلس اسلامي من اجل تولي امور الاوقاف الاسلامية والمسلمون ومن اجل المطالبة بتحرير الاوقاف الاسلامية والغاء قانون القضاة الشرعيين.
وكان قد افتتح هذا المؤتمرالمحامي محمد الحاج ابن كفر ياسيف وكذلك تكلم السيد طاهر الفاهوم احد قادة الجبهة الشعبية والذي قال في كلمته الهامة "لقد ظهرت تلفيقات كثيرة وستظهر تلفيقات اخرى حول المؤتمر، ولكن بوصفي احد المبادرين الى عقد هذا المؤتمر اعلن ان حركتنا غير حزبية ونحن على استعداد للتعاون مع كافة العناصر التي تؤيد نضالنا لنيل حقوقنا " ورد في كلمته ايضا على ادعاءات السلطة بان الأوقاف الاسلامية هي اموال غائبين وقال " ان المجلس الاسلامي لم يخلق المسلمين بل المسلمون هم الذين اقاموا المجلس الاسلامي " وكانت اللجنة التحضيرية قد دعت جميع اعضاء الكنيست العرب لحضور هذا المؤتمر ولكن العضو الوحيد الذي لبى الدعوة وحضر المؤتمر هو الرفيق توفيق طوبي (في تلك الفترة لم يكن الرفيق اميل حبيبي عضو كنيست). وقد القى الرفيق توفيق طوبي كلمة في هذا المؤتمر واكد فيها على اهمية وحدة الصف الكفاحية من اجل تحقيق اهداف هذا المؤتمر، وكذلك حيا المؤتمر السيد يني يني رئيس مجلس كفرياسيف المحلي ورئيس الجبهة الشعبية، وهكذا كان هناك حضور من مختلف الطوائف وهذا عمليا تاكيدا على وحدة الهدف والمصير لكل جماهيرنا العربية في داخل اسرائيل. وخلال المؤتمر انتخبت لجنة دائمة من اجل مواصلة هذه المعركة وملاحقة القرارات التي اتخذها المؤتمرون. حيث اتخذت عدة قرارات هامة مثل استمرار العمل من اجل تحرير الاوقاف الاسلامية ومن اجل انتخاب مجلس اسلامي بتحمل مسؤولية ادارة الاوقاف الاسلامية لمصلحة جميع المسلمين في هذه البلاد وهذا كان اهم اهداف المؤتمر، وكذلك المطالبة بالغاء قانون القضاة الشرعيين.
وكما ذكرت سابقا، ففي هذه السنة بالذات كان قد تقرر اجراء انتخابات جديدة للكنيست الخامسة بعد سنتين تقريبا من الانتخابات السابقة أي ان هذه الانتخابات جاءت بغير موعدها المقرر وهذا عمليا ناتج عن الخلافات التي كانت موجودة وتعمقت في داخل حزب مباي. وكانت القضية المركزية التي فجرت هذه الخلافات من جديد في اواسط سنة 1960 واستمرت، هي قضية لافون الذي شغل منصب وزير "الأمن" في حكومة موشه شاريت من اوائل سنة 1953 حتى اواسط سنة 1955، وفي تلك الفترة كانت قد ضبطت خلية تجسس في مصر ونفذت اعتداء على السفارات الامريكية والبريطانية والهدف منها هو اتهام مصر بهذه العملية من اجل اساءة علاقات مصر مع هذه الدول، وان القضية عرفت باسم "القضية المشينة". وهنا برز خلاف اساسي بين لافون وبن غوريون خاصة عندما اعلن لافون انه لم يعط الاوامر لمثل هذا العمل ولذلك يجب التحقيق في هذا الامر ومن هنا ايضا بدات القضية التي سميت " بقضية لافون " وكان هذا الواقع وهذه الخلافات هي التي ادت الى تقديم موعد الانتخابات والتي جرت بتاريخ 15-8-1961.
ومن الواضح ان يكون نتيجة لمثل هذا الوضع الساخن في داخل حزب مباي ان تكون المعركة ساخنة وعلى اشدها في تلك المرحلة.
ان هذه المعركة جاءت بعد تراجع تمثيل الحزب الشيوعي في الانتخابات التي جرت في سنة 1959 التي استغلت فيها الرجعية والاحزاب الصهيونية الخلافات التي كانت قائمة بين القيادة المصرية والحركة الشيوعية وفي تلك المرحلة كان صوت العرب الذي كان بوقه المدعو " احمد سعيد " في ذلك الوقت كان هذا البوق الموجه ضد الشيوعية ولكن هذا البوق وصاحبه كانوا قد تراجعوا وتغيرت العلاقات بين القيادة المصرية والحركة الشيوعية الى الافضل.
ان التراجع الذي حصل للحزب في تلك الفترة كان حافزا جديا من اجل استعادة قوة الحزب قطريا في معركة الانتخابات هذه ورفاق الحزب في عرابة الذين كانوا منظمين كاعضاء في صفوف الحزب لا يتعدوا اصابع اليدين. ولكن هؤلاء الرفاق القلائل قد وضعوا هدفا جديا من اجل تحقيق نجاح للحزب محليا وقطريا في هذه المعركة، وطبعا الى جانب هؤلاء الرفاق كان هناك عدد غير قليل من الاصدقاء والذين راوا من واجبهم الوطني دعم قائمة الحزب الشيوعي والعمل على تقزيم القوائم العربية المرتبطة بحزب مباي حزب السلطة، وهذه القوائم من الناحية العملية يستعملها حزب مباي مثل الدمى يحركها كيفما يشاء لمصلحة سياسته المعادية لجماهيرشعبنا وعمليا وبفضل اصوات هؤلاء الدمى طال عمر الحكم العسكري على جماهيرنا لعدة سنوات اخرى وسوف آتي على ذلك لاحقا.
وبناء على هذا الواقع وبالتشاور مع عدد من الاصدقاء صدر عن مجموعة من هؤلاء الاصدقاء من التجار والحرفيين وخريجي المدرسة الثانوية من شباب عرابة نداءا الى اهالي عرابة من اجل تاييد قائمة الحزب الشيوعي وقد وزع هذا النداء في عرابة وفي قرى اخرى من قرى البطوف وكان له اثرا ايجابيا في القرية وخارجها. وفعلا حقق فرع الحزب الشيوعي في عرابة نجاحا كبيرا في تلك الانتخابات حيث حصلنا على نسبة اربعون بالمئة 40% من الاصوات في عرابة 405 اصوات مقابل 151 صوتا في الانتخابات التي جرت في اواخر سنة 1959، وهذا عمليا كان نقطة انطلاق جديدة لنشاط الحزب وتطوره المستقبلي في قرية عرابة وفي قرى البطوف ايضا. وكذلك استرد الحزب قوته القطرية حيث زاد تمثيله في الكنيست من ثلاثة اعضاء الى خمسة اعضاء.
وعلى مستوى عرابة ادىت زيادة قوة الحزب وزيادة دوره الخاص والمميز بين الجماهير في عرابة وفي الفترة نفسها ازداد عدد اعضاء الشبيبة الشيوعية واعضاء الحزب. وفي تلك الفترة انضم الى صفوف الحزب الرفيق فضل نعامنة وفي الفترة نفسها كان الرفيق عمر سعدي قد عاد الى كامل نشاطه في صفوف الشبيبة الشيوعية والحزب الشيوعي في القرية بعد ان انقطع عن التنظيم لفترة معينة وبالرغم عن هذا كان يساهم في نشاطات للشبيبة خلال وجوده في المدرسة الثانوية في الرامة. لكن انقطاعه كان بشكل خاص خلال فترة تعلمه في الصف الثاني عشر لانه في هذه السنة الدراسية تكون صعبة وفيها تجري امتحانات البجروت. وكانت عودة الرفيق عمر لنشاطه الطبيعي في صفوف الشبيبة الشيوعية قد اعطى زخما جديدا للعمل حيث في تلك الفترة ايضا وحتى اوائل سنة 1962 قد ازداد عدد اعضاء الشبيبة بشكل ملحوظ في عرابة.
بعد الانتخابات التي جرت في آب 1961 بفترة قصيرة أي في شهر ايلول من السنة نفسها حدثت ماساة لجماهيرنا العربية في هذه البلاد حيث قام مجرمون من حرس الحدود بقصف اعمار خمسة شباب كانوا ما زالوا في مقتبل العمر وفي ريعان شبابهم قد قتلوا على الحدود المصرية الاسرائيلية بدم بارد وكان قد جرى ايضا تشويه في جثثهم من قبل القتلة. وهؤلاء هم الشباب : جورج شاما وجريس بدين وريمون مارون والثلاثة جميعهم من حيفا وفايز سبع من سخنين ومحمود عبد الاسعد من ام الفحم. وعند سماع نباء هذه الجريمة البشعة بحق هؤلاء الشباب هبت الجماهير العربية هبة شعبية واسعة احتجاجا على ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة بحق شبابنا هؤلاء.
وبمبادرة من فروع الحزب الشيوعي والشبيبة الشيوعية خرجت الالوف في حيفا والناصرة وشفاعمرو وباقي قرانا العربية بصرخة احتجاج واستنكار لمثل هذا العمل الاجرامي البشع بحق شبابنا.
وكانت حيفا التي نكبت بفقدان ثلاث شباب من شبابها الطيبين مركزا لهذه الصرخة الاحتجاجية وبشكل خاص عندما اقتربت الساعة الرهيبة ساعة خروج ثلاثة جثامين من ثلاثة بيوت في ثلاث شوارع من حي واحد صغير والكتل البشرية تتضخم وتزداد امام البيوت المفجوعة وقد كان في التشييع اكثر من عشرة الاف انسان حيث رفعوا النعوش على الاكتف وهم يهتفون بسقوط حكومة بن غوريون، والموت للقتلة المجرمين. وكانت عمليا مظاهرة وحدوية ضمت ابناء الشعب العربي بكافة فئاته الاجتماعية وبغض النظر عن معتقداتهم السياسية والدينية. والجميع سائرون تحت علم الوحدة النضالية ضد سياسة القهر القومي والتمييز العنصري. وكانت مدينة الناصرة قد اعلنت الاضراب العام احتجاجا على جرائم حكام اسرائيل ضد ابناء شعبنا. وخلال يومين متتاليين كانت المظاهرات الاحتجاجية تجوب شوارع الناصرة وهي تهتف ضد سياسة الاضطهاد والتمييز العنصري ومن اجل محاكمة القتلة ومن اجل اقامة لجنة تحقيق لتحقق في هذه الجرائم التي ارتكبت بحق هؤلاء الشباب العرب الخمسة. وكانوا في سخنين قد جاءوا بجثة الضحية في ساعات الظهر مستغلين غياب العمال وفرضوا على الاهل دفن الجثة. فسارت جنازة حزينة ولكنها مليئة بالاصرار على النضال ضد سياسة حكام اسرائيل العنصرية. وتقريبا في اغلب المدن والقرى العربية جرت المظاهرات وعقدت الاجتماعات الشعبية الاحتجاجية استنكارا لهذه الجريمة البشعة وهذا الاسلوب المستخف في حياة شبابنا العرب. وبالرغم من التحريض الارعن على الحزب الشيوعي خاصة عندما اصدر اعوان حزب مباي العرب في حيفا قالوا فيه "ان هروب مثل هؤلاء الشباب الى الدول العربية هو نتيجة لدور "العناصر المحرضة"، هذا كان دور اعوان السلطة العرب في كل مرحلة من مثل هذه المراحل هو محاولة تنقية السلطة من جرائمها واتهام اخلص الناس لجماهير شعبنا ولكن هتاف الجماهير القوي بسقوط سياسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري التي هي الدافع الرئيسي والاساسي لمثل هذا الهرب. وهتاف جماهيرنا كان بوحدة رائعة هذه الوحدة التي صقلتها الآلام والمواجع. وارادتها القوية في البقاء والتطور في وطن الاباء والاجداد،هي التي كانت الرد الحاسم والمباشر لمثل هؤلاء المتآمرين والخائنين لمصالح شعبهم وقضيته العادلة.
(عرابة البطوف)
(يتبع)
توفيق كناعنة
السبت 17/5/2008