الشعب بانتظار "تمر" ثورته...شاهين نصّار
تجربة الوعي الشعب المصري مرّ بتجربة "الوعي"، فإذا كان الوعي قد نشأ في عهد ثورة يناير، ها هو يصل اليوم مرحلة البلوغ، والبلوغ يعني أن تعرف كيف توّظف الأدوات التي بين يديك لتحقق المكتسبات التي ناضلت طويلًا لأجلها. أعتقد أن مراحل البلوغ، ليس فقط لدى الشعب وإنما أيضًا لدى القيادات وبالأخص الرئيس السيسي، ستتمثل بأن يتنحى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد دورتين رئاسيتين ويتنازل عن الحكم طواعيةً كما وعد أن يفعل. ليتيح المجال لجيل الثورة أن يختار من يحقق له طموحاته وآماله ويقود مصر الى النمو الحقيقي ويعيد لها مكانتها التي تستحقها. فما نراه اليوم هو المزيد من الديون لأنظمة عربية بائدة وللبنوك والمصارف والمزيد من حلول مؤقتة غير جذرية.
لا زال الشعب المصري الى اليوم في انتظار أن تتحقق مكتسبات ثورته الباسلة التي ذاق لأجلها الحلو والمر، نزل الشارع يهتف "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" و "يسقط يسقط حكم العسكر"، داعيًا لإسقاط نظام محمد حسني مبارك، والتي وصلت ذروتها في 25 كانون الثاني/ يناير 2011. ما هي المكتسبات التي حققها؟ وما هي المطالب التي لأجلها خرج الشعب المصري الى الشارع؟ تغيير النظام الذي طالب به الشعب، لا يعني تغيير الرأس والرئيس فحسب، بل يجب تغيير "النظام"! فالمطلب هو الإطاحة بحكم العسكر، اطلاق سراح السجناء السياسيين، وقف ملاحقة من يختلف بالرأي، الإطاحة بالفاسدين، النمو الاقتصادي والعمراني، ومنح المسحوقين والمستضعفين الحقوق الاجتماعية العادلة. حتى الآن لم يتحقق من هذه المطالب إلا القليل القليل. ففي دولة نصف سكانها من الشباب تحت سن الثلاثين، معظمهم لم يعرف رئيسًا عدا عن مبارك، كان المطلب المركزي هو الإطاحة بالرئيس الذي ارتبط حكمه بالفساد، فقد تراجعت مصر في عهده وشهدت انكماشًا اقتصاديًا بدل النمو، وفقدت مكانتها كالدولة الرائدة إفريقيًا وعربيًا، وربما لا يكون السبب الفساد السلطوي فحسب، لكن لا شك أن الطموح الذي رافق هؤلاء الشباب الثائرين برؤية بلد مزدهر يطيب العيش فيه، ولا يحلم كل فتى يافع بالهجرة ومغادرته، كان ولا زال مطلب الساعة. مرّت الثورة بعدة تقلبات وعدة مراحل، من المرحلة الانتقالية الى الانتخابات الديمقراطية الاولى منذ عهد مبارك، والتي أتت بالمقموعين الاسلاميين الى سدة الحكم، واستبدلت فساد العسكر بفساد من نوع آخر لدرجة أنه دارت شائعة إن مرسي يسعى لتأجير أهم معلم سياحي وحضاري مصري – الأهرامات للقطريين... لا يخفى على أحد أن كل ثورة تمر بمخاض عسير حتى تحقق مبتغاها ومطالبها، ويبدو أن درب الحرية والعدالة الاجتماعية لا زال طويلًا، ولكننا اليوم وبعد مرور 8 أعوام على تلك الأيام البهية الزاهية برونق من التفاؤل، يتملكني شعور بالاستياء، شعور بأن الثورة لم تكتمل، وقد يقول البعض بل سُلبت من أهلها. السؤال من هم أهلها؟ يتطلب نقاشًا أعمق بكثير، ويتطلب الخوض في مركبات وتركيبات الشعب المصري للإجابة على هذا التساؤل... المؤكد هو أن الطموح الأساسي لا زال ذاته، والشعب لا يزال ينتظر أن تتحقق مكتسبات ثورته، أن يرى ثمار نضاله، الذي لم يبدأ في العام 2011 ولم ينته بالإطاحة بمبارك وسجنه، الذي استعاد حريّته بفضل قضاة من عهده. الثورة بنظري، هي ثورة الفكر، الشعب المصري مرّ بتجربة "الوعي"، فإذا كان الوعي قد نشأ في عهد ثورة يناير، ها هو يصل اليوم مرحلة البلوغ، والبلوغ يعني أن تعرف كيف توّظف الأدوات التي بين يديك لتحقق المكتسبات التي ناضلت طويلًا لأجلها. أعتقد أن مراحل البلوغ، ليس فقط لدى الشعب وإنما أيضًا لدى القيادات وبالأخص الرئيس السيسي، ستتمثل بأن يتنحى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد دورتين رئاسيتين ويتنازل عن الحكم طواعيةً كما وعد أن يفعل. ليتيح المجال لجيل الثورة أن يختار من يحقق له طموحاته وآماله ويقود مصر الى النمو الحقيقي ويعيد لها مكانتها التي تستحقها. فما نراه اليوم هو المزيد من الديون لأنظمة عربية بائدة وللبنوك والمصارف والمزيد من حلول مؤقتة غير جذرية. كلمة أخيرة: الشعب المصري ذو الظل الخفيف أطلق على السيسي لقب "بلحة" كسخرية من خطاباته التي في كثير من الأحيان لا يُفهم مبتغاه منها، ربما مع نضوج الشعب تنضج البلحة لتصبح تمرًا حلوًا!
السبت 26/1/2019 |